[آيات الرجاء في سورة النساء]
قال: [قال عبد الله بن مسعود: آيات في كتاب الله في سورة النساء خير للمسلمين من الدنيا وما فيها، وهي قول الله عز وجل: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:٣١]] والآية محل نزاع في تأويلها عند أهل العلم.
فقال بعض العلماء: شرط مغفرة الصغائر عدم الوقوع في الكبائر، فمثلاً قوله عليه الصلاة والسلام: (الوضوء إلى الوضوء، والجمعة إلى الجمعة، والصلاة إلى الصلاة)، وغير ذلك من المكفرات مثل (ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر)، أي: إذا اجتنبت الكبائر، فهذه الأعمال والطاعات وغيرها كفيلة بمغفرة الصغائر ومحوها إذا اجتنبت الكبائر، هذا تأويل.
أي: هذه الأعمال لا تكفر الصغائر إلا إذا اجتنبت الكبائر.
وبعضهم يقول وهو مذهب جماهير أهل العلم: هذه الأعمال -أي: الصغائر- تكفرها هذه الطاعات وقعت الكبائر أو لم تقع، أي: أنهم يقولون: هذه الطاعات تكفر الصغائر دون الكبائر.
قال: [وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:٦٤]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:١١٠].
قال الحسين: وأنا أقول آية خامسة خير للمسلمين من الدنيا وما فيها هي في سورة النساء كذلك، وهي قوله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:١٤٧].
وعن ابن عمر قال: ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى الله عليه وسلم: ({إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].
قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإني ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة).
وعن معبد الجهني قال: قلت لـ عبد الله بن عمر: رجل لم يدع شيئاً من الخير إلا عمله، إلا أنه كان شاكاً؟ قال: هلك ألبتة].
فلو أن رجلاً لم يعمل سوءاً قط، بل كانت كل أعماله خيراً وصلاحاً وبراً وتقوى؛ غير أنه كان يشك في الله عز وجل فقد هلك ألبتة، أي: لا ينفعه عمله قط.
قال: [قلت: رجل لم يدع من الشر شيئاً إلا عمله، غير أنه يشهد أن لا إله إلا الله، قال: عش ولا تغتر].
وهذا مثل سائر بين العرب: عش ولا تغتر.
وهذا المثل قيل لبدوي كان يريد أن يسافر بإبله ليلاً في الصحراء ويقطع المسافات، فظن أن الصحراء لا تخلو من طعام وشراب ليطعم وتطعم دابته ويشرب وتشرب دابته، وظن أن هذا من باب التوكل على الله، فلما سأل الناس عن ذلك، قالوا: عش ولا تغتر، أي: لا تركن إلا إلى أمر يقيني موثوق منه، وأما ظنك أن الصحراء بها طعام وشراب فهذا مجرد ظن وليس يقيناً، ولكن اليقين أن طعام الدبة وشرابها بين يديك الآن، فعشها وأطعمها وأسقها، ولا تغتر، أي: لا تقع في أمر مظنون، فإن وجدت في الصحراء طعاماً وشراباً فيكون ما قد فعلته في حضرك زيادة في الخير، وإذا انقطع بك السبيل في الصحراء فتكون قد عشيت ولم تغتر.
وهكذا قال عبد الله بن عمر وابن عباس وغير واحد لمن تكلم في هذه القضية، والمثل كان معلوم المعنى لدى السامع والمتكلم، أي: افعل الخير وتب من الذنب ولا تغتر برحمة الله تعالى، فإن رحمك كان بها، وكانت طاعتك زيادة في البر والتقوى، وإن حاسبك الله عز وجل كان عندك من الطاعة ما يؤهل لمغفرة الذنب.