[رواية يحيى بن يعمر لحديث ابن عمر في إنكاره على القدرية]
قال: [وعن يحيى بن يعمر -البصري- قال: كان رجل من جهينة وفيه رهق -أي: فيه مراهقة وشغب- وكان يتوثب على جيرانه].
أي: يبغى عليهم ويظلمهم ويسرقهم، وهكذا أهل البدع دائماً يكون تاريخهم أسود، فعندما تبحث عن تاريخه تجد تاريخاً لا تطمئن إليه أبداً.
قال: [ثم إنه قرأ القرآن، وفرض الفرائض، وقص على الناس -أي: أنه كان أيضاً قصاصاً- ثم إنه صار من أمره أنه زعم: أن العمل أنف، من شاء عمل خيراً ومن شاء عمل شراً].
أي: أن الذي يريد أن يعمل خيراً يعمل، والذي يريد أن يعمل شراً يعمل، فالله لا يعرف شيئاً إلا بعد أن يقع! قال يحيى بن يعمر: [فلقيت أبا الأسود الدؤلي فذكرت ذلك له.
فقال: كذب ما راينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُثبت القدر].
وهذا يدل على إجماع الصحابة على إثبات القدر؛ لأن الله تعالى عليم بكل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض.
قال: [ثم إني حججت وحميد بن عبد الرحمن الحميري، فلما قضينا حجنا وكنا -أي: بالمسجد الحرام- قلنا: نأتي المدينة فنلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسألهم عن القدر -وهذا الكلام كان بالبصرة؛ لأن أول ما نشأت وانتشرت هذه البدعة في البصرة- فلما أتينا المدينة لقينا أناساً من الأنصار، فلم نسألهم، قلنا حتى نلقى ابن عمر أو أبا سعيد الخدري] وهذا يدلك على أن هذه الفتنة كانت في أوائل عهد الصحابة؛ لأن ابن عمر وأبا سعيد الخدري كانوا من صغار الصحابة، وكون يحيى بن يعمر وحميد يبحثان عنهما يدل ذلك على أنهما يبحثان عن كبار الصحابة في ذلك الوقت، وإلا لو كانت هذه الفتنة في أول عهد الصحابة بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام مباشرة لكانوا بحثوا عن أبي بكر أو عمر أو أبي بن كعب أو زيد بن ثابت، لكن حينما نأتي لننظر إلى ابن عمر أو أبي سعيد الخدري ثم ننظر إلى الصحابة الآخرين نجد أن هؤلاء كانوا صغاراً، فمثلاً ابن عمر في غزوة بدر وأحد كان عمره أربع عشرة سنة، وقد ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليجيزه للقتال، ولم يجزه؛ لأنه ما كان يجيز أحداً إلا إذا بلغ خمسة عشر عاماً.
ومعنى هذا أنه كان من صغار الصحابة، ولذا فعندما يأتي واحد من البصرة يريد ابن عمر بالذات فلا بد أن يكون ابن عمر في ذلك الوقت كبيراً في السن والشأن، ولا يكون هذا إلا في أواخر عهد الصحابة.
قال: [فلقينا ابن عمر فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله.
قال: قلت: تسأله أو أسأله؟ قال: لا.
بل أسأله؛ لأني كنت أبسط لساناً منه -وفي رواية: وكنت أحد منه لساناً- قال: قلت يا أبا عبد الرحمن -وهذه كنية عبد الله بن عمر - إن ناساً عندنا بالعراق قد قرءوا القرآن، وفرضوا الفرائض -أي: التزموا بالفرائض- وقصوا على الناس، يزعمون أن العمل أنف، من شاء عمل خيراً ومن شاء عمل شراً.
قال ابن عمر: فإذا لقيتم ذلك فقولوا: يقول ابن عمر: هو منكم بريء، وأنتم منه براء، فوالله لو جاء أحدهم من العمل بمثل أحد ما تُقبل منه حتى يؤمن بالقدر.
وفي الحديث الصحيح: (لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر).
ثم قال: [لقد حدثني عمر -وهو أبوه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن موسى لقي آدم فقال: يا آدم أنت خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك الجنة، فوالله لولا ما فعلت ما دخل أحد من ذريتك النار)] أي: لولا الخطيئة التي فعلتها ما دخل أحد من ذريتك النار، وإنما كلهم كانوا سيدخلون الجنة.
قال: [(فقال: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، تلومني بما قد كان كُتب علي قبل أن أُخلق؟ فاحتجا إلى الله فحج آدم موسى، فاحتجا إلى الله فحج آدم موسى، فاحتجا إلى الله فحج آدم موسى)].
قال: قال -أي: ابن عمر - لقد حدثني عمر أن رجلاً في آخر عمر النبي عليه الصلاة والسلام جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله أدنو منك؟ -وانظروا إلى هذا الأدب الشديد، أدب المتعلم بين يدي المعلم- قال: نعم.
قال: فجاء حتى وضع يده على ركبته -أي: حتى وضع هذا السائل يده على ركبته هو، لا على ركبة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا يتنافى مع أدب العالم والمتعلم- فقال: ما الإسلام؟ قال: تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت.
قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت؟ قال: نعم.
قال: صدقت)].
ومن شأن السائل أنه جاهل، فلا يصدق المجيب ولا المفتي ولا المسئول، ولذلك قال عمر: [(قال: فجعل الناس يتعجبون منه يقولون: ا