قال:[مات أبو الحارث المحاسبي] يعني: والد الحارث المحاسبي، وأنتم تعلمون أن الحارث المحاسبي كان إماماً في الزهد والورع، وعاش في عصر أحمد بن حنبل، وأثنى عليه أحمد بن حنبل خيراً في زهده وورعه وتقواه.
ولذلك لما سألت امرأة أحمد بن حنبل أيغزل في ضوء موكب السلطان، ثم يباع ويتربح ويتكسب من هذا وهذه الإضاءة وهذه الأنوار ليست له خاصة، فتعجب أحمد بن حنبل من السؤال، وقال: من السائل؟ قالت: أنا أخت الحارث.
قال الإمام: من بيتكم خرج الورع، أما إنه لا يحل لك أنت بالذات إنما لسائر الناس يحل؛ لأن الأمر على الإباحة والجواز، لكن الحارث لو سمع بهذا ما أجازه من شدة ورعه وزهده وخوفه من الله عز وجل، فقال: من بيتكم خرج الورع.
كان والد الحارث المحاسبي قدرياً.
قال: [يوم مات وحارث محتاج إلى أقل من درهم -أو كما قيل- لعيال وبنات عليه، وترك أبوه مالاً وضيعه وأثاثاً وأموالاً كثيرة نفيسة، فلم يقبل -أي: الحارث - منها شيئاً.
فقيل له في ذلك؟ فقال: روي عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أهل ملتين شتى لا يتوارثان)] نعم.
(لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم).
يعني الحارث المحاسبي يكفر والده، لأنه كان قدرياً.
وهذا فارق ما بيننا وبين السلف! كما قيل للفقيه: إن الكلب قد بال على الجدار كيف نطهره؟ قال: بهدمه وبنائه سبع مرات.
قيل له: إن الجدار بيننا وبينك.
قال: إنما يكفيك شيء من الماء ترشه عليه.
هذا الفقيه هو أنا أو أنت، إذا كانت النصوص لنا فبها ونعمت، وإذا كانت علينا لوينا رءوسنا وتنكرنا لها.