وكان أبو سفيان أثناء حديثه مع هرقل يتمنى لو أنه يكذب كذبة واحدة، ولكن لما كان الكذب صفة مذمومة حتى في الجاهلية، وخاف أبو سفيان أن يؤثر عنه الكذب في قومه ترك ذلك، وكان يريد أن يكذب إظهاراً لعوار يلحق محمداً عليه الصلاة والسلام.
[قال هرقل لترجمانه: سله: كيف حسبه فيكم؟ أهو من أوضع القوم، أو من أعلى القوم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حسب]، وهذا صحيح، أما من جهة الحسب فهو خيار من خيار من خيار.
[قال: فهل كان من آبائه ملك؟ -يعني: من عائلته: أبوه، جده، جد أبيه، جد جده- قال أبو سفيان: لا.
قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول؟ -أي: قبل أن يزعم أنه نبي، وأنه يأتيه الوحي والخبر من السماء؟ - قال: قلت: لا].
وأنتم تعلمون أن أهل الجاهلية كانوا يدعونه الصادق الأمين قبل أن يوحى إليه، ولو أنه قال: نعم، لطولب بالبينة، ولكن أبا سفيان صدق في الجواب.
[قال هرقل: من تبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قلت: لا، بل ضعفاؤهم هم الذين اتبعوه، قال: فهل يزيدون أم ينقصون؟ -أتباعه عليه الصلاة والسلام في زيادة مستمرة أم ينقصون؟ - فقال: بل يزيدون.
قال: فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة لدينه؟] بيت القصيد هنا: هل يرتد سخطة لدينه؟ أما الذين ارتدوا فهم كثير، لكن هل فعلاً يرتد أحد سخطة لدينه؟ الآن كثير من المسلمين إذا ذهب إلى بلاد الكفر، وضاق به الحال هناك ذهب إلى الكنائس وإلى أديرة اليهود يأخذ مالاً مقابل أن يغير اسمه وبطاقته وينطق بشهادة الكفر، أن ينخلع من إسلامه ويدخل في دين اليهود أو النصارى، لكن الذي دفعه إلى ذلك هو حاجته، لكنه في الحقيقة وفي قرارة نفسه لا يرتد سخطة لدينه، بل حبه لدينه سيظهر وقتاً ما، فهو يسأله هنا: هل يرتد منهم أحد بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ [فقال أبو سفيان: لا.
قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، يصيب منا ونصيب منه].
أي: يأخذ منا تارة ونأخذ منه تارة، يغلبنا تارة، ونغلبه أخرى.
[فقال هرقل: هل يغدر؟ قلت: لا، ونحن في مدة لا ندري ما هو صانع فيها]، هذه هي الفرصة الوحيدة لـ أبي سفيان التي استطاع أن يدخل منها ويطعن في النبي عليه الصلاة والسلام، يعني: إذا كان الغدر ليس من شيمته، وليس معروفاً عنه حتى قبل البعثة، فكيف يغدر؟ الإجابة سليمة إلى الآن، لكنه أراد أن يغمز النبي من خلال هذه الإجابة، ثم يقول:[فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه.
قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ -هل زعم أحد قبله أنه نبي؟ - قال أبو سفيان: لا].