للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار)]

السؤال

قال عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا).

هل معنى هذا الحديث: أنه إذا باع البائع سلعة ما فإن المشتري لا يردها، وإذا ردها المشتري ولم يأخذها البائع هل في ذلك شيء، نريد تبيين ذلك الحديث والمقصود منه؟

الجواب

قول عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا).

والحديث في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر وغيره، وهذا الكلام يجرنا إلى عدة خيارات عند الفقهاء، فهناك شيء يسمى: خيار المجلس، وخيار المجلس هو أني دخلت عليك في متجرك، فاشتريت منك سلعة ما، وأعطيتك ثمنها، ولا زلت أصوب بصري إلى بقية أنواع السلع، ثم قبل أن أغادر المكان - أي: المتجر- رجعت عن هذه البيعة، فليس من حق البائع أن يمتنع عن أخذ هذه السلعة ورد الثمن إليه مرة أخرى؛ وذلك لتمام الحديث: (فإذا تفرقا فقد وجب البيع).

وجب بمعنى: تم.

وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما -وأنتم تعلمون أنه من أفقه الصحابة- إذا اشترى شيئاً انصرف بعيداً ثم رجع، وانصرافه هذا لإتمام البيع، فإذا أراد البائع أن يرجع في بيعه اعتذر عبد الله بن عمر.

وهناك خيار الشرط: كأن أكون اشتريت منك كتاباً، وأنا رجل ليس لي خبرة في الكتب، ولا أعرف أن هذا الكتاب جيد أم لا، وهل هو كتاب سليم من جهة المعتقد أم غير سليم، فاشترطت أن آخذ هذا الكتاب وأعرضه على أهل الخبرة وفي خلال ثلاثة أيام أعطيك الخبر، فأنا سأحتفظ بهذا الكتاب، وإذا لم أرد الكتاب بعد ثلاثة أيام أعتبر البيع قد تم، ولو خرجت بالكتاب ووقفت بالشارع أنتظر سيارة مواصلات فإن البيع لم يتم، ولا يتم البيع إلا بتمام الشرط.

هذا اسمه خيار الشرط.

واختلفوا في الشرط، والراجح: أن ذلك راجع إلى البائع والمشتري حسبما اتفقا.

وهناك خيار العيب.

والعيب نوعان: عيب ظاهر، وعيب خفي، فلو أن واحداً ذهب يشتري طماطم من السوق، وهذه الطماطم يراها أمامه رديئة لا تخفى على أحد، لكنه ذهب بها إلى البيت، فطلبت منه زوجته إرجاعها، فعاد بها إلى السوق، ففي هذه الحالة ليس واجباً على البائع أن يرد البيعة؛ وذلك لأنه كان يرى العيب، وعيبها ظاهر للناس.

مثال آخر: شخص ذهب ليشتري سيارة منمقة وجميلة، فيها عيب خفي، وهذا العيب ربما يخفى في أول وهلة على أصحاب الفن، فاشتراها هذا الشخص، وبعد أن بدأ باستخدامها حصل لها أعطال داخلية، ولا يعرف الأعطال الداخلية إلا صاحب الميزان الذي يكشف بالكمبيوتر فيعرف عطلها الداخلي، فالبائع سكت وهذا اشترى، ولم يظهر البائع عيبها الخفي فمن حق المشتري بعد ما ركب السيارة ستة شهور أن يرجعها؛ لأن فيها عيباً يخفى على المشتري، ولو أنه عرف العيب لكن لم يذهب لمراجعة البائع واستمرت معه السيارة شهرين فليس من حقه أن يرجعها.

والعلماء حددوا ثلاثة أيام للرجوع؛ قياساً على حديث المصراة.

والمصراة: بقرة أو جاموس أو شاة أو أنثى الجمل، يجوعها صاحبها عدة أيام ويعطشها، وفي اليوم الذي يريد أن يبيعها فيه يطعمها، فيكون ضرع البقرة كبيراً، وبطنها منتفخ جداً، فالذي سيشتري هذه البقرة لابد أنه سيقع في نوع عظيم من أنواع الغرر، حيث يظن أنها سمينة بانتفاخ بطنها، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من اشترى مصراة فليمسكها ثلاثاً فإن رضي وإلا ردها ومعها صاع من تمر).

يعني: يجعلها عنده ثلاثة أيام ويحلبها، وينتفع بلبنها ويطعمها، فإن رضيها ولم يسخطها كانت له، وإن كرهها ردها ومعها صاع من تمر مقابل اللبن الذي أخذه.

فالعلماء قالوا: إن خيار العيب بعد معرفة العيب قياساً على المصراة تكون ثلاثة أيام، فلو رضي المشتري بهذا العيب، ومر على ذلك ثلاثة أيام فليس من حقه إرجاع الشيء المعيب.