[قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في إثبات القدر]
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [العجز والكيس بقدر].
وهذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فيصح مرفوعاً وموقوفاً.
[عن ابن عباس قال: لو أخذت رجلاً من هؤلاء الذين يقولون: لا قدر، لأخذت برأسه وقلت: لولا ولولا].
أي: أن ابن عباس تمنى أن يقتله قتلاً؛ لأنه ينكر القدر.
قال: [عن مجاهد قال: قيل لـ ابن عباس: [إن ناساً يقولون في القدر].
أي: هناك ناس تكلموا في القدر، وهذا الأمر كان منكراً جداً لدى الصحابة، فلم يكن يتكلم أحد في القدر، فلما تكلم الناس في القدر أنكر ذلك ابن عباس، بل الصحابة كـ ابن عمر وغيرهم أشد الإنكار.
قال: [يُكذبون بالكتاب؟].
لأن الكتاب أثبت القدر خيره وشره، فالذين تكلموا في القدر بعد كتاب الله وبعد سنة النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يريدون؟ وماذا يقولون؟ قال: [يُكذبون بالكتاب، لئن أخذت بشعر أحدهم لأنصونه -أي: لآخذن بناصيته- إن الله عز وجل كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً، فخلق القلم فأمره أن يكتب فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة].
قوله: (كتب ما هو كائن) أي: قبل أن يخلق الخلق؛ لأن أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال له: اكتب.
فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب كل شيء كائن إلى يوم القيامة، وكان آدم لم يُخلق بعد؛ لأن المقطوع به عند علماء المسلمين أن القلم مخلوق قبل آدم، والقلم جرى بما هو كائن وبما عليه العباد إلى يوم القيامة، وهذا يدل على علم الله الأزلي.
قال: [فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فُرغ منه].
أي: على أمر قد علمه الله تعالى أزلاً، فكتبه على العباد وقدره عليهم، وشاءه لهم، وأذن في خلقه وإيجاده ووقوعه، ومنه ما أراده إرادة شرعية دينية مبناها الرضا وهي اتباع الشرع في باب الأوامر، وأما في باب النواهي فإن العبد لو انتهى بما نهاه الله تعالى ورسوله عنه فهذا أيضاً من الإرادة الشرعية الدينية، وإذا وقع فيما نهاه الله عز وجل عنه فإنما يقع فيها بقدر من الله عز وجل، لكن لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي.
قال: [عن ابن عباس قال: القدر نظام التوحيد -القدر هو التوحيد- فمن وحد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء نقضاً للتوحيد].
وهذا تفسير لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر) ابن عباس يقول: القدر نظام التوحيد.
أي: أنه أساس التوحيد ومحل الابتلاء والاختبار فيه، فمن وحد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء والقدر نقضاً للتوحيد.
[ومن وحد الله وآمن بالقدر فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها].
و [عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: يا ابن عباس! أرأيت من صدني عن الهدى، وأوردني الضلالة والردى، ألا تراه قد ظلمني؟] فهذا السؤال من جهة العقل له وجه، لكن الدين لا يثبت بالعقل وإنما يثبت بالنقل.
يقول له: أليست الهداية والإضلال بيد الله عز وجل؟ ما تقول فيمن صدني وردني وأضلني وأوردني الهلاك والردى والضلالة، ألا يكون قد ظلمني؟ إذاً فمن الذي بيده الضلالة؟ الله عز وجل، والسؤال هذا يطرأ على أذهان الجميع إلا من رحم الله عز وجل من أهل العلم.
وانظر إلى ابن عباس ماذا قال له؟ قال: [إن كان الهدى كان شيئاً لك عنده فمنعكه -أي الله عز وجل منعك إياه- فقد ظلمك].
فـ ابن عباس قرب له المسألة من جهة العقل، وإلا فالأصل في هذا المثل ألا يُضرب، لكنه يريد أن يقرب له المعنى في مقابلة سؤاله الذي لا يجوز طرحه.
قال: [إن كان الهدى كان شيئاً لك عنده فمنعكه فقد ظلمك، وإن كان هو له -أي: ملكه سبحانه وتعالى- يؤتيه من يشاء فلم يظلمك.
قم لا تجالسني].
أرأيتم إلى مسائل القضاء؟ تحتاج إلى قلوب واعية جداً، وأفهام نيرة، وقلوب لا تملك إلا الخضوع والذل لله عز وجل، يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه وتعالى.
فليس لك بعد أن علمت أن الهداية والضلال بيد الله عز وجل إلا أن تتعلق بحبال الطاعة، ليس لك إلا ذلك، ترجو ثواب الله وتهرب من عقابه.
فلو أنك علمت أن الله تعالى يسوق الرزق إليك عن طريق فلان من الخلق لتملقت له أشد التملق، فلماذا لا تتملق لله عز وجل فهو الأولى بذلك؟ قال: [عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان الهدهد يدل سليمان على الماء -مع أن الهدهد هذا طائر ضعيف- فقلت له: كيف ذاك يا إمام! والهدهد يُنصب له الفخ عليه التراب؟].
الصبيان ينصبوا الفخ للهدهد عليه التراب، حتى يأتي الهدهد فيقع فيه؟ أي أنه طائر غبي لا يعرف شيئاً، فكيف ينقر في الأرض وينقب فيها حتى يخرج الماء لسليمان ويدله على أن هذا المكان فيه ماء وأن هذا المكان ليس فيه ماء؟ [فقال -أي: ابن عباس - ألم يكن إذا جاء القضاء ذهب البصر؟] إذا قدر الله شيئاً