[بيان أن من ستر في الدنيا من أصحاب الكبائر فهو في مشيئة الله تعالى يوم القيامة]
قال: [عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس: بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف)].
فبايع الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام على هذا، فجمع بين الكبائر وبين الشرك في هذا، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام:(فمن وفى منكم فأجره على الله)]، أي: فمن وفى منكم بأصل البيعة فأجره على الله عز وجل، أي: أنه يثيبه على ما أطاع فيه ولم يعصه.
قال: [(ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله في الدنيا فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء غفر له، قال: فبايعناه على ذلك)].
والشاهد من هذا الحديث قوله:(ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله في الدنيا).
فلو أن رجلاً زنى أو سرق أو قتل فستره الله فإن تاب من هذا تاب الله عز وجل عليه، وإن مات ولم يتب فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء غفر له.
وعن علي رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أصاب في الدنيا ذنباً فعوقب به فالله عز وجل أعدل من أن يثني عقوبته في الآخرة)، أي إذا أُقيم عليه الحد في الدنيا فإنه لا يطالب قط بهذا الذنب يوم القيامة، أي: لا يُعاقب على ذنب واحد مرتين، وإذا عوقب بإقامة الحد عليه فقد برئت ساحته من هذا الذنب، والله تعالى لا يذكره ولا يطلعه على هذا الذنب؛ لأنه محي تماماً.
قال:(ومن أذنب ذنباً وعفا عنه فالله تعالى أعدل من أن يعود في شيء عفا عنه).
أي: إذا تاب المذنب من ذنبه فالله عز وجل يتوب عليه؛ لأنه وعد بذلك في قوله:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[الفرقان:٧٠] بشرط أن يكون صادقاً في توبته كما ذكرنا آنفاً.