[عقيدة علي بن المديني في الصحابة الكرام]
سئل علي بن المديني عن عقيدته، فقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن بسطام: [سمعت سهل بن محمد قرأها على علي بن المديني -أي هذه العقيدة- فقال له: قلت: أعزك الله: السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يأخذها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها].
ثم ذكر أشياء كثيرة قد ذكرناها ولكنه زادها هنا إيضاحاً.
ومن هذه الخصال: الإيمان بأن النبي عليه الصلاة والسلام سيشفع عند ربه يوم القيامة لعصاة هذه الأمة الذين استحقوا دخول النار، أو دخلوا النار بالفعل.
ثم ذكر بعد ذلك موقف هذه الأمة من الصحابة رضي الله عنهم من حيث تبجيلهم وتوقيرهم واحترامهم وحبهم، وبغض من أبغضهم، والذب عنهم بكل سبيل.
ثم قال: [وأفضل الناس بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم كلهم].
يعني: أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كانوا في القرن الذي بعث فيه النبي عليه الصلاة والسلام.
قد اختلف أهل العلم في معنى (القرن): هل هو مائة عام أو خمسون عاماً أو أقل من ذلك أو أكثر أو طبقة من الطبقات؟ ففي علم المصطلح: الطبقة هم قوم تقاربوا في السن وتشابهوا في الصفات.
يعني: لا يمكن أبداً أن آتي برجل من كبار علماء الأمة وطالب علم، ثم أقول: إنهما من طبقة واحدة؛ لأن ذاك الرجل الكبير العالم أدرك من أهل العلم ما لم يدركه ذلك الصغير، وهذا الصغير لم يشترك مع ذاك الكبير في شيوخه، ولم يعاصر أحداث الدولة الإسلامية كما عاصرها الكبير، فلا يمكن أبداً أن أضع ذلك الصغير مع هذا الكبير في مرتبة واحدة، ولا في منزلة واحدة، وإنما يصح هذا إذا كان أحدهما يبلغ من العمر ستين عاماً، والآخر سبعون عاماً، وهذا الأخير طلب العلم مع الأول، فكلاهما أدركا طبقة معينة من الشيوخ، وحينها أقول: إن هذين قد اجتمعا في طبقة واحدة.
فهنا قوله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني).
(القرن) إن كان الطبقة فلاشك أن أصغر الصحابة طبقة، والصحابة (١٢) طبقة وليسوا طبقة واحدة، فليس البدري كمن شهد أحداً، وأصحاب البيعة يأتون بعد من شهد بدراً، ويتقدمون على من شهد أحداً.
ثم كبار الصحابة والذين لازموه صلى الله عليه وسلم ليسوا كمن أتى من البادية فرآه مرة ثم انصرف، وليس هذا الذي أتى من البادية فسأل فسمع جواب مسألته فعقل عن النبي عليه الصلاة والسلام ذلك فأخذه وانصرف، كمن ولد فجيء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا الطفل المولود حديثاً جيء به ونظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام فثبتت له بذلك الصحبة، حتى وإن كان أعمى العين لم يره، المهم أنه وضع في حجر النبي عليه الصلاة والسلام ودعا له بخير وسماه، فلا يعد كبير الأعراب وصاحب البادية كذلك الطفل الرضيع الذي أتي به إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
فالصحابة أنفسهم وإن اشتركوا في وصف الصحبة إلا أنهم يتفاوتون في المرتبة، ويتفاوتون في الطبقة، ولذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني).
هذا القرن إن كان المقصود به مائة عام، فلا شك أن هذه المائة عام قد ولد فيها من التابعين الكثير.
وعند إطلاق هذا الكلام أنت تتصور أن هذا المقطع من الحديث المقصود به الصحابة على جهة الخصوص.
يعني: لا يشاركهم فيه غيرهم، وهذا خطأ، لأنه إذا كان المقصود من القرن مائة عام فلا شك في دخول بعض التابعين بل جل التابعين، فيكونوا ضمن أخير القرون.
وإن كان المقصود بالقرن الأول: الطبقة.
فإذاً يطلق هذا على طبقة الصحابة، ثم طبقة التابعين، ثم طبقة أتباع التابعين وإن كان كل واحد منهم يتفرق إلى طبقات متعددة، ولكنه كلام على سبيل الجملة دون التفصيل.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
وفي رواية أنه قال: (ثم الذين يلونهم لا أدري أهي الثالثة أم الرابعة؟).
فقول علي بن المديني: [أفضل الناس بعد أصحاب رسول عليه الصلاة والسلام القرن الذي بعث فيهم كلهم، من صحبه سنة أو شهراً أو ساعة أو رآه أو وفد إليه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه، فأدناهم صحبة هو أفضل من الذين لم يروه، ولو لقوا الله عز وجل بجميع الأعمال].
يعني: أن أدنى صحابي رؤية وصحبة للنبي عليه الصلاة والسلام هو من جهة الفضل والبر أولى من كل التابعين، حتى وإن لم يبق من أعمال الخير شيء إلا وقد أتوه، فإن الصحابي أفضل من ذلك كله.
فإذا كان الصحابي الواحد أفضل من بقية الأمة إن كان عاملاً بالبر والطاعة -وهو كذلك- فكيف بمن يتجرأ على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ويسبهم ويشتمهم ويلعنهم، بل ويكفرهم؟ لا شك أن الذي يفعل ذلك قد خرج بكليته عن الهدي والاستقامة والجادة، بل والملة.
والنبي عليه الصلاة والسلام قد بين لهذه الأمة أنها مهما عملت من خير فإنها لن توفي حق الصحابة رضي الله عنهم، فما بالكم بحق النبي عليه الصلاة والسلام؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لو أنفق أحدكم مثل أحد