للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقيدة علي بن المديني في محبة التابعين والتأسي بهم]

قال: [وإذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن وراء ذلك خيراً إن شاء الله.

وإذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب السختياني، وعبد الله بن عون، ويونس، والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والاقتداء بهم فارجُ خيره].

لأن هؤلاء هم الذين نشروا السنة وحثوا عليها وذبوا عنها في البصرة.

قال: [ثم من بعد هؤلاء حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ، ووهب بن جرير، فإن هؤلاء محنة أهل البدع].

يعني: أهل البدع في بلاء وشدة وكرب بسبب هؤلاء الأحياء، فإذا ماتوا فرحوا فرحة عظيمة، كما حدث عندما مات كثير من أهل العلم في الأزمنة المتأخرة، فقد ضربت طبول الفرح في بلاد الكفر شرقاً وغرباً لقتلهم والتمثيل بهم والتنكيل بهم في بلاد المسلمين هنا وهناك؛ لأن هؤلاء غصة في حلوق الكافرين في الداخل والخارج، فلما ماتوا ولما حبسوا، وشردت أسرهم كان في ذلك قرة عين الكافرين، وهذه سنة الله تبارك وتعالى في أهل التوحيد منذ خلق الله تبارك تعالى آدم عليه الصلاة والسلام.

قال: [وإذا رأيت رجلاً من أهل الكوفة يعتمد على طلحة بن مطرف، وابن أبجر وابن حيان التيمي، ومالك بن مغول، وسفيان بن سعيد الثوري، وزائدة بن قدامة فارجه].

يعني: فارج خيره، واعلم أنه على خير عظيم؛ لأن هؤلاء هم أهل السنة.

قال: [ومن بعدهم عبد الله بن إدريس، ومحمد بن عبيد، وابن أبي عتبة، والمحاربي فارج] أي: فارج خيره كذلك.

قال: [وإذا رأيت الرجل يحب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه، فلا تطمئن إليه وإلى من يذهب مذهبه ممن يغلو في أمره ويتخذه إماماً].

الذي ينظر إلى هذا النص لأول وهلة ربما يفهم منه استحباب ذم أبي حنيفة، ولكن لابد أن تعلم أولاً أن علي بن المديني الذي نحن بصدد سرد عقيدته كانت بينه وبين أبي حنيفة مشاحنة ومباغضة؛ لأن علي بن المديني كان إمام مدرسة الأثر.

يعني: لا يلبس ثوبه إلا بدليل، ولا يخلعه إلا بدليل، بينما أبو حنيفة رحمه الله كان يميل إلى الرأي كثيراً، ويعمل عقله في النص.

يعني: يجتهد في مقابل النص، والاجتهاد نوعان: اجتهاد مع النص، واجتهاد في النص، وبينهما فرق كما بين السماء والأرض، فلا يحل لواحد أن يجتهد بخلاف دليل قد ورد في كتاب الله وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لا يحل لعالم أن يخالف دليلاً قد بلغه وصح عنده ولم يكن مؤولاً، وغير ذلك من أعذار أهل العلم في تخلفهم عن العمل بالدليل الذي بلغهم.

فهنا نقول: الدليل لا يمكن لأحد أن يخالفه.

أي: لا يحل له أن يخالفه إذا بلغ أو صح عنده.

ثم الاجتهاد في النص بمعنى: إعمال العقل في فهم النص على مراد الله إن كان آية، وعلى مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان حديثاً.

والاجتهاد مع النص.

أي: أن يأمرك النص بأمر وأنت تذهب إلى أمر آخر مع وجود الدليل وصراحته، فهذا اجتهاد غير سائغ، ولذلك أنتم تعلمون هذا القول المشهور: (لا قياس مع النص).

أو: (لا اجتهاد مع النص).

يعني: لا يحل لك أن تجتهد في مسألة النص فيها واضح، ولك أن تجتهد في فهم الدليل وفهم النص، فمثلاً: الحديث الفلاني أنا أسرد لك معناه والمراد منه على مراد النبي عليه الصلاة والسلام، وفهماً ومسايرة لفهم أهل العلم من السلف لهذا الدليل.

بخلاف قولي: (أنا لا أرى هذا الدليل).

لأن هذا الدليل غير معقول.

يعني: فوق حد عقلي لذا أنا لا أتصوره، ولذلك أنا سأرد هذا الدليل وأقول في المسألة المطروحة برأيي.

فهذا الرأي وهذا الاجتهاد والإعمال العقلي مردود؛ لأنه اجتهاد مع النص، أما اجتهادك أنت في فهم النص فهو مقيد بفهم السلف، وهذا هو العقل الممدوح الذي مدحه الله تبارك وتعالى في كتابه، ومدحه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته وحث الله تبارك وتعالى عليه.