كتب رجل لاثنين من أولاده الذكور قطعة أرض اشتراها؛ بحجة أنهما بذلوا مجهوداً شاقاً في شراء الأرض، مع العلم بأنه ذو خمس بنات، فما حكم ذلك؟
الجواب
لا يجوز ذلك، وقد أتى بشير إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليشهد على أن ينحل أحد أولاده نحلة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(أنحلت كل ولدك مثلما نحلت هذا؟ -أي: هل أعطيت كل واحد من أولادك مثل ما أعطيت هذا؟ - قال: لا، قال: اذهب إلى غيري فأشهدهم على ذلك، فإني لا أشهد على زور)، وهذا من باب التغليظ والتوبيخ على سوء فعله، لا من باب أنه أجاز له ذلك الفعل، فيذهب يستشهد واحداً آخر.
ودائماً تبقى حقوق البنات مهضومة وكأنها سنة متفق عليها، وقد كنت في قضية في مدينة السلام منذ أيام، حيث قابلت رجلاً يملك أرضاً شاسعة جداً، وهو مليونير، وأولاده من الذكور والإناث كلهم ملتزمون، وقد أراد أن يقسم الميراث قبل موته، وبالفعل قسمه على أولاده الذكور، وأعطى لكل بنت ما تقوم به الحياة من أموال.
فولد من أولاده سألني عن حكم ذلك التقسيم؟ فقلت له: إنه غير جائز، ثم ذهبت أتكلم مع هذا الرجل فقال لي: يا شيخ! كلمة واحدة، ما فيه شيء اسمه بنت تأخذ أرض، فقلت له: ما فيه حاجة اسمها تقسيم الميراث في حياتك، اسمه ميراث؛ لأنه يوزع بعد موتك، والتوزيع هذا باطل، وأولاده كلهم جالسون، فقلت لهم: كل واحد تستهويه نفسه أن يأخذ عقد البيع والشراء الذي كتبه له أبوه هذا، ووالله العظيم إنه حطب جهنم وبئس المصير، فإذا أردتم أن تأخذوا هذه الأوراق فخذوها، فقالوا: كلهم: لا نريدها، فقال لهم أبوهم: سأحرمكم وأتزوج أخرى، وأكتب لها كل الأرض.
لذا دائماً في كل أسرة وبعد كل وفاة تطرح قضية الظلم في توزيع الميراث، وخاصة في الفلاحين، فحدث ولا حرج، فالبنت ليس لها عندهم أي شيء مطلقاً، فيقول لك: خسارة أن يرجع الميراث لزوج ابنتي! مع أن هذا شرع ربنا، ثم هل ربنا لما فرضه كان ينسى أن هذا سيئول إلى زوجها؟ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى}[طه:٥٢] فالله تبارك وتعالى كما قال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم:٦٤]، فلما شرع الشرع هذا ختمه بقوله:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا}[البقرة:٢٢٩] أي: أي إنسان يتعدى ما حدده له الميراث فهو معتدي.
وهذا العدوان لا ينفعه في قبره، ولو أراد أن يقسم الميراث قبل الموت فجائز، بل أحياناً المصلحة تستدعي ذلك.
فلو أن رجلاً عنده ولد طيب وموحد ومتسامح، ولا يريد المشاكل، وعنده ولد هو شيطان، فلو أنه ترك الأرض والبيت والسيارات للأولاد يقسموها بينهم بشرع الله، فإن هذا الولد لن يمكنهم من شرع ربنا، ولا حتى من شريعة نابليون، بل سيأخذ المال كله، والذي لا يريد يضرب رأسه في الرصيف، ففي هذه الحالة توزيع الميراث ربما يكون جائزاً مشروعاً؛ رفعاً للضرر، لكن لا بد أن يتم بشرع الله تبارك وتعالى، ويبقى الرجل صاحب حق في البيع والشراء؛ لأن هذا ماله، ولا بأس أن يكتب أوراقاً تضمن له الحق؛ لأننا نسمع بالليل والنهار أن الرجل ربما يريد أن أولاده لا يختلفون من بعده، فيكتب لهم كل شيء له، فأول ما كتب استلم كل واحد منهم الورقة في يده وطردوه من البيت، وصار شريداً يتكفف الناس حتى يأكل ويشرب، وهذا حاصل، فهذا الشعب المجرم انتشر الظلم فيه من كل وجه، حتى مع الآباء والأمهات.