للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رواية عدي بن حاتم رضي الله عنه]

[وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه)]، واللقاء ثابت، فإذا كنت تلقى الله عز وجل لقاءً -واللقاء يقتضي المعاينة- فمعنى ذلك أنك ستراه بعينك، [قال: (ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان، فليقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول: بلى يا رب!) -ولو أنكر فإنه سيختم على فيه فتتكلم جوارحه- قال: (فيقول: بلى يا رب! فيقول: ألم أعطك مالاً، وأتفضل عليك؟ فيقول: بلى يا رب!)].

والشاهد في الحديث: أن اللقاء يوم القيامة سيكون وجهاً لوجه بين الخالق والمخلوق، وهذا يقتضي النظر إليه سبحانه وتعالى بالعين، وقد روى أحاديث الرؤية نحو من ثلاثين صحابياً، فهي قد بلغت حد التواتر، ومن أراد الوقوف عليها فليواظب على سماع الأحاديث النبوية، فإن فيها مع إثبات الرؤية أنه يكلم من شاء إذا شاء، وأنه يأت الخلق يوم القيامة لفصل القضاء، وأنه فوق العالم، وأنه يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، وأنه يتجلى لعباده، وأنه يضحك إليهم، إلى غير ذلك من الصفات التي سماعها على الجهمية والمعتزلة بمنزلة الصواعق، بل أكره شيء على كل الفرق الضالة أن تسمعهم آيات وأحاديث الصفات؛ لأنهم مؤولون ومخالفون لها.

قال: [وكيف يعلم وصول دين الإسلام من غير كتاب الله وسنة رسوله؟]، وهذا كلام جميل وقوي، ومعناه: من أين ستتعلم هذه الأصول من قول فلان وعلان؟! كما يقول ابن القيم: العلم قال الله وقال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول سفيه يعني: إذا ثبت الكلام في كتاب الله أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فليس لفقيه قول، وإذا تكلم الناس بخلاف ما في الكتاب والسنة فأقوالهم مردودة ومطروحة؛ ولذلك يقول هنا: وكيف نتعلم أصول ديننا الإسلامي من غير كتاب الله وسنة رسوله؟ وكيف يفسر كتاب الله بغير ما فسر به رسوله وأصحاب رسوله الذي نزل القرآن بلغتهم؟ والورع كل الورع ألا يتكلم امرؤ في دين الله عز وجل إلا بعلم، ولذلك يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما سئل عن معنى (الأب) في قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:٣١]: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلت في دين الله تعالى ما ليس لي به علم.

أي: اسألوا واحداً آخر غيري عن معنى الأب، فأنا لا أعرف معناها.

فتأمل كلام الصديق رضي الله عنه، والظن به أن يعلم ذلك، لكن لما كان المراد مرعى الإبل والماشية ربما يكون أهل البدو أعرف بهذا التأويل من أبي بكر الحضري، فقال: اسألوا عنه غيري، فأنا لا أستطيع أن أتكلم في دين الله عز وجل برأيي؛ لأني أخشى ألا تظلني السماء، ولا تقلني الأرض إن قلت في دين الله ما ليس لي به علم.

قال: [وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر، تشبيهاً لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي].

ويقول: وفي هذا الحديث دليل آخر على علو الله على خلقه؛ لأنه قال لهم: (هل ترون القمر؟ هل ترون الشمس؟)، إذاً فأنتم سترون ربكم في جهة العلو؛ لأنه ضرب لك مثلاً بشيئين موجودين في السماء، فإذا كنت ترى الشمس أو القمر في العلو فلا بد وأن ترفع وجهك إلى السماء حتى ترى الله عز وجل.

قال: [فيه دليل على علو الله على خلقه، وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟]، وأما الأشعرية فقالوا بأن الرؤية ستتم، لكن بشرطين: الأول: رؤية بلا مقابلة! وهذا كلام غير منطقي ولا يعقل.

الثاني: رؤية الفؤاد وليست رؤية العين.

ومنهم من قال: يرى لا في جهة، ولفظ (جهة) من الألفاظ المحدثة التي لم تكن معلومة في حياة السلف، ومنهج السلف أن الله سيُرى، لكن قولهم: ليس في جهة، مصطلح محدث، وأي مصطلح محدث وجديد لا يقول به السلف، وإنما يتوقفون عنده، ومن قال به ناقشوه: ماذا تريد بهذا اللفظ؟ لأن الكلام في الاعتقاد من أخطر ما يمكن، فكلمة فيه تأخذك إلى جهنم، وكلمة تدخلك الجنة.

فمن قال: إن الله يرى لا في جهة، سنقول له: هل لفظ (الجهة) قاله النبي عليه الصلاة والسلام؟ فسيقول: لا، فنقول: قاله أبو بكر؟ فسيقول: لا، فنقول: قاله عمر، أو عثمان، أو الصحابة والتابعون؟ فسيقول: لا، فنقول: إذن لماذا قلته؟ فسيقول: إنما قصدت به معنى عندي، فنقول له: ما هو هذا المعنى؟ قال: أنا أردت أن الله تعالى ليس محدود بحد؛ لأن وجوده في ناحية أو في جهة يدل على أنه محدود، أو على أنه جسم من الأجسام، فنقول له: أليس عندك في ذلك شيء قط من اعتقاد السلف؟ فإن قال: ما أردت بكلمة (الجهة) إلا العلو والفوقية لله عز وجل، فنقول له: نعم، لكن الأولى أن تلتزم في هذا الباب وفي هذه المسألة بما ورد من مصطلحات في الشرع.

فعندما تقول: إن الله تعالى في السماء، فسنقول لك: ليس هناك أي خلاف معك، وكونه في السماء لا يدل على أنه محدود بجهة، فقولك: إن الله في السماء خير من قولك: في جهة