[قول الحسن البصري رحمه الله في إثبات القدر]
قال: [عن نعيم العنبري وكان من جلساء الحسن -رحمه الله تعالى- يقول في قوله تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا} [الكهف:٨٢].
قال -أي: الحسن في تفسير هذه الآية- لوح من ذهب مكتوب فيها: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟] عجبت لمن يؤمن بالقدر خيره وشره وأنه من عند الله كيف يحزن إذا وقع به البلاء؟ [وعجبت لمن آمن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله، محمد رسول الله].
هذا الكلام كلام موقوف عن الحسن وفيه نظر؛ لأن العبد إذا أدركه الموت إن كان من أهل الطاعة فرح بلقاء الله عز وجل، وبذلك صحت الأخبار، وأما إذا كان من أهل المعصية فإنه يكره لقاء الله عز وجل، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.
عن تمام بن نجيح قال: [سمعت الحسن وقد تاه رجل فأخذ بعنان دابته فقال: أيها الضال المضل! حتى متى تضل الناس؟ فقال الرجل: وما ذاك؟ قال الحسن: أتزعم أن من قُتل مظلوماً فقد قُتل في غير أجله؟ قال -أي: الحسن - فمن يأكل بقية رزقه يا لكع؟] هل يمكن لأحد أن يأكل رزق الآخر؟ وهل يمكن لأحد أن يأخذ عمر الآخر؟ لا يمكن.
ولكن أليس داود عليه السلام قد أخذ أربعين عاماً من عمر أبيه آدم؟ هو الوحيد الذي أخذ عمراً من عمر أبيه آدم، أما بقية الخلق فإنه قد كُتبت أعمالهم وأرزاقهم وآجالهم وشقاوتهم وسعادتهم على النحو المعلوم لدى الله عز وجل كتابة لا تقبل المحو في اللوح المحفوظ.
قال: [أتزعم أن من قُتل مظلوماً فقد قُتل في غير أجله؟ فمن يأكل بقية رزقه يالكع؟ خل الدابة] أي: انزل عنها، فإنها أفضل منك.
وهل هناك أحد يُقتل قبل أجله؟ فمن يكمل أجله؟ ولذلك من الأخطاء الفادحة جداً في الاعتقاد أنك تذهب لواحد قد مات له ميت فتقول له: البقية في حياتك! هل هو مات قبل أجله؟ ولذلك علمنا النبي عليه الصلاة والسلام عزاءً شرعياً: (إن لله ما أعطى وله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل).
أي: أن هذا الذي مات مات في أجله، فاصبر واحتسب وليس لك إلا هذا، قد أوجب الله تعالى عليك في هذا الموطن أن تصبر على ما نزل بك من بلاء وتحتسب عند الله عز وجل حتى تؤجر عليه، وتصبر صبراً صادقاً، وترضى رضاء تاماً عن الله عز وجل وعن أفعاله سبحانه وتعالى، لا أن تظل تلطم وجهك وتضع التراب على رأسك، وفي الأخير أنت تعرف أنه قد مات ووضع في قبره، فلماذا الجزع؟ بل تصبر وتحتسب.
وقال الحسن: [الشقي من شقي في بطن أمه].
وقال في مرضه الذي مات فيه: [إن الله قدر أجلاً وقدر معه مرضاً -أي: جعل المرض سبباً لنهاية الحياة- وقدر معه معافاة].
لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء.
فتداووا عباد الله).
فالمرض بقدر الله، وأيضاً العلاج بقدر الله، ومن الناس من يقول: العلاج هذا يقدح في التوحيد.
فنقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام عولج من مرضه، وقال: (إن الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوي أصحابه مرة بالتفل ومرة بالدعاء، وكلها أسباب للشفاء فقال: (تداووا عباد الله! ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء) فإذا كان العلاج يقدح في التوحيد فإذا جعت فلا تأكل؛ لأن هذا اعتماد على الطعام، وأنت رجل موحد فاعتمد على الله عز وجل، وإذا عطشت فلا تشرب، وإذا أردت الولد فاحصل عليه دون زوجة!! وفي الحقيقة كل هذا كذب، والأصل أخذ الأسباب وإعمالها في حصول المسبب.
قال الحسن في مرضه الذي مرض فيه: [إن الله قدر أجلاً وقدر معه مرضاً، وقدر معه معافاة، فمن كذب بالقدر فقد كذب بالقرآن، ومن كذب القرآن فقد كذب بالحق].
وقال: [من كذب بالقدر فقد كذب بالإسلام].
كأن القدر هو الإسلام كله، كأن عنوانك في الإيمان والإسلام وثبوتك على ذلك إنما هو إيمانك بالقدر.