للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيان ما يفعل من سرق مالاً

السؤال

كنت أعمل أجيراً عند أحد الناس، وتجمع لي عنده مبلغ من المال، وماطل في دفعه إلى أن يئست منه، فسرقت منه شيئاً مقابل مالي الذي عنده، ثم اكتشفت بعد ذلك أن هذا الشيء الذي سرقته ملك لوالد زوجته، وكنت في هذه الفترة لم أصل بعد، وأنا أعرف صاحب هذا الشيء الذي سرقته منه، وكلما رأيته -بعد أن هداني الله للصلاة- ذكرت أنني سرقته، ولا أعلم ماذا أفعل؟ هل أرد هذا الشيء وهو صعب جداً، أم أدفع إليه ثمنه بطريقة غير مباشرة، أم أنه لا شيء علي حيث أني كنت لا أصلي ولا أعرف شيئاً حينها، وشكر الله لكم؟

الجواب

ولكم شكر الله.

السؤال صريح جداً وجريء، ويحتاج إلى جرأة كذلك في المنتهى.

فإذا كنت جريئاً في الأولى فينبغي أن تكون جريئاً في الثانية، وهذا الذي ذكرته استوعبه شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه (إغاثة اللهفان) في شرحه لحديث (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك).

فقوله: (أد الأمانة إلى من ائتمنك) أمر، وقوله: (ولا تخن من خانك) نهي، فهذا الرجل الذي عملت عنده أجيراً فماطل في دفع مالك أو أكل حقك أو غير ذلك لا يسمح لك أن تسرقه، وأنت في سؤالك قد سميت فعلك سرقة، والسرقة حرام بالكتاب والسنة والإجماع، فحينما سميته سرقة كان ينبغي أن تعطي لنفسك الجواب؛ لأن السرقة ليست بأمر مشروع، بل هي أمر محرم، فهنا يجب عليك -خاصة بعد أن علمت أن هذا المال الذي سرقته ليس مال الرجل الذي ماطل في دفع الحق، وإنما هو مال غيره الغير مكلف بدفع هذا المال إليك- وجوباً شرعياً أن تتخلص من هذا المال برده إلى صاحبه ما دام معلوماً فهو أولى به، ولا بد من رده إليه، وأنت تعلم أن من شروط التوبة رد المظالم إذا كانت بين العباد، فينبغي رد المظالم إلى أصحابها، وهو شرط في قبول التوبة الصحيحة، فهذا السائل يجب عليه أن يدفع هذا المال إلى صاحبه بأي طريقة كانت، ولا بأس أن يتحرى طريقة ليس فيها مفسدة أعظم، ولكن لا يسولن له الشيطان أن يتصدق بها عنه؛ لأنه بالإمكان إيصال هذه الأموال إلى أصحابها، أما التصدق عنه فهذا شيء يمكن عند خفاء صاحب الحق أو ذهابه وعدم عودته، أو أن يكون الأمر يتوقع منه مفسدة أعظم كمن زنى بامرأة الجار، وتاب إلى الله عز وجل، وأراد أن يستسمح صاحب المعصية التي وقع فيها، فهل يتصور أنه يذهب إليه ويقول: سامحني! فأنا قد زنيت بامرأتك في اليوم الفلاني؟! فإذا كانت هناك مفسدة أعظم فما عليه إلا أن يستغفر ويتوب إلى الله عز وجل، ويكثر من الصدقات والدعوات لصاحب هذه المظلمة.

والله تعالى أعلم.