[مجادلة أهل البدع بالباطل]
قال: [فهو راكض ليله ونهاره في الرد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والطعن عليهما، أو مخاصماً -لهذه الأدلة- بالتأويلات البعيدة فيهما]، أي: الذي هو صرف النص عن ظاهره.
قال: [أو مسلطاً رأيه على ما لا يوافق مذهبه بالشبهات المخترعة الركيكة؛ حتى يتفق الكتاب والسنة على مذهبه، وهيهات أن يتفق].
لأن هذا كلام اللطيف الخبير، وهذا كلام المخبول الضال، فكيف نطوع كلام الله عز وجل بكلام عبد قصير النظر وقصير العقل؟! قال: [ولو أخذ سبيل المؤمنين وسلك مسلك المتبعين لبنى مذهبه عليهما واقتدى بهما، ولكنه مصدود عن الخير مصروف].
أي: لما علم الله تبارك وتعالى سلفاً وأزلاً أن هذا العبد بعينه سيختار الضلال على الهدى، وسيعمى بعد بصيرة، هيأه ويسره لما خلق له.
قال: [فهذه حالته إذا نشط للمحاورة في الكتاب والسنة].
أي: أنه يخاصم ويجادل، ولن يحتج أبداً بأقوال أهل السنة، ولذلك عندما تناقش شخصاً من المبتدعة سيقول لك: قال الله وقال الرسول، لكن عندما تقول له: ما قول ابن كثير في هذه الآية؟ يقول لك: من ابن كثير هذا؟! وهذا منهج أهل البدع، لكن نحن لو ناقشناهم وحاورناهم فسنقول: هذه الآية قال فيها ابن كثير كذا، والطبري قال فيها كذا، والقرطبي قال فيها كذا، وابن تيمية قال كذا.
إذاً: نحن متبعون، وهؤلاء سلفنا، فنحن نحتج بأقوال الله عز وجل بفهم سلفنا رضي الله عنهم، أما هم فيأخذون فقط من الكتاب والسنة، فإذا وافق الكتاب عقولهم ابتداءً أخذوا به، أما لو خالف الكتاب عقولهم ردوه، وفي الغالب يخالف؛ لأنه لا يتفق كلام الله عز وجل مع كلام شخص مجنون مهبول؟! إذاً: فنحن نريد أن نقول: إن أقوال المبتدعة هي التي تخالف أصولهم.
وهم يقولون: كلام الله مخالف لأصولنا.
فهم جعلوا أصولهم هي الأصل، وكلام الله هو الذي يجب أن يقاس لا أن يقاس عليه، فلما استصعبوا موافقتهم للكتاب والسنة لجئوا إلى التأويل والتحريف لكلام الله وكلام رسوله حتى يوافق أصول مذهبهم.
قال: [فأما إذا رجع إلى أصله وما بنى بدعته عليه اعترض عليهما بالجحود والإنكار].
ومعلوم أن هؤلاء المعتزلة ردوا نصف السنة وزيادة؛ لأنها ضعيفة، ولأنها لا تثبت من جهة أنهم زادوا شرطاً في قبولهم للسنة لا يعرفه أهل السنة، ألا وهو: موافقة السنة للعقل إما تصريحاً أو تأويلاً، فإذا لم توافق السنة عقولهم لا تصريحاً ولا تأويلاً -أي: بعد ليها- فهي مردودة عندئذ، ولذلك هم يقولون دائماً: ليس معقولاً أن النبي قال كذا.
لكنهم اجتهدوا على الكتاب فأولوه.
أي: أولوا فيه كل ما خالفهم أو خالف أصولهم.
أي: ليس معقولاً أن يقولوا لنا: ليس معقولاً قال ربنا كذا؛ لأن الله قد قال، وهذا المصحف بين أيدينا، فهم على استحياء شديد، فلا يستطيعون أن يردوا القرآن الكريم، لكن السنة عليها مطاعن كثيرة جداً، وقد جعلوا أصلاً لا يعرفه أهل السنة وهو موافقة السنة للعقل، فلما خالفت السنة عقولهم الحقيرة ردوا معظمها، ولذلك يقول: [فأما إذا رجع إلى أصله وما بنى بدعته عليه اعترض عليهما -أي: على الكتاب والسنة- بالجحود والإنكار، وضرب بعضها ببعض من غير استبصار].
يأتون بالأحاديث التي ظاهرها التعارض فيضربوا بعضها ببعض، ومعلوم أن من أصول أهل السنة والجماعة في تأويل هذه النصوص التي ظاهرها التعارض: الصيرورة إلى النسخ إذا لم يكن الجمع ممكناً، بينما هذا المبتدع يأتي لك بحديث يأمر بشيء، وحديث ينهى عن نفس الشيء، فيقول: أيعقل -ودائماً تسمع بهذه الكلمة من أهل البدع- أن النبي قال في الأمر الواحد بالأمر والنهي، أو في الشيء الواحد بالأمر والنهي؟! لا.
ليس معقولاً.
إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا ولا قال ذاك.
وإن كان أحدهما يوافق العقل قالوا به ويبطلون الثاني.
قال: [واستقبل أصلهما ببهت الجدل والنظر من غير افتكار، وأخذ في الهزو -أي: في الاستهزاء- والتعجب من غير اعتبار، استهزاءً بآيات الله وحكمته].
وهذه قصة تبين ذلك: فقد ركبت مع شخص أعرفه منذ زمن، ثم قال لي: أتذكر تلك القضية القديمة التي كانت في سنة تسعة وثمانين أو في سنة تسعين؟ فقلت: نعم، أذكرها، وهي قضية أختك عندما قال لها زوجها: لا يحل لكِ أن تتصرفي في مالكِ إلا بإذني.
ثم قال: أتذكر الموضوع؟ فقلت له: أذكره.
وقلت له: وأذكر يومها أنني أحلتك على سنن ابن ماجه وشرح السنة للبغوي، فقال لي: حصل ذلك.
ثم قال لي: تصور أن فلاناً قال كذا وكذا.
فقلت له: وأنا أقول بهذا القول الآن كما قلت به سلفاً، أن المرأة لا يحل لها أن تتصرف في مالها بغير إذن زوجها وإن كان الإسلام حفظ الذمة المالية لكلا الزوجين -أي: أن هذا المال مال المرأة، وهذا المال مال الزوج- لكن للقوامة التي هي للرجل على المرأة، ولضعف المرأة في عقلها وسفهها، واكتمال الرجل في ذلك، وجب على المرأة دواماً للعشرة أن تلجأ إلى زوجها، وألا تنفق من مالها -لا أقول: من ماله، وإنما من مالها-