[تفسير آيات سورة النازعات التي تتحدث عن يوم القيامة]
قال سبحانه وتعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} [النازعات:١ - ١٠] أي: في القبر، {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} [النازعات:١١] أي: في هذا القبر عظاماً بالية، {قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} [النازعات:١٢] يعني: يا ويلها! لو أننا عدنا بعد هذه الموتة إلى البعث مرة أخرى، فإنما هذا عود وكرة خاسرة، {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [النازعات:١٣].
قال ابن مسعود وابن عباس ومسروق وابن جبير وأبو صالح وأبو الضحى والسدي: النازعات غرقاً.
أي: الملائكة، حين تنزع أرواح بني آدم، فمنها من تأخذ روحه بعنف فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهوله وكأنما حلته من نشاط، وهي قوله تعالى: {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [النازعات:٢].
قال ابن عباس في النازعات: هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشر ثم تغرق في النار.
وأما قوله: والسابحات سبحاً قال ابن مسعود: هم الملائكة.
وقيل غير ذلك.
وعن مجاهد قال: السابحات: هي الموت.
وقال قتادة: هي النجوم.
وقال عطاء: هي السفن.
{فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} روي عن غير واحد: أنهم قالوا: هي الملائكة.
وقال الحسن: لأنها سبقت إلى الإيمان والتصديق به، وعن مجاهد قال: هي الموت، وعن عطاء قال: هي الخيل التي تسبق في سبيل الله عز وجل في الجهاد.
أما (المدبرات أمراً) فقال غير واحد: هي الملائكة.
زاد الحسن: سميت بذلك؛ لأنها تدبر الأمر من السماء إلى الأرض، يعني: بأمر ربها عز وجل، ولم يختلفوا في هذا، ولم يقطع ابن جرير بالمراد من ذلك، إلا أنه حكى أن المدبرات هي الملائكة.
أما قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات:٦ - ٧] قال: هما النفختان: الأولى والثانية.
{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} [النازعات:٦] هي نفخة الفزع، {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات:٧] هي نفخة الصعق.
وهذا قول ابن عباس.
وقال مجاهد والحسن وقتادة والنحاس وغير واحد: هما النفختان الأوليان.
وعن مجاهد قال: أما الأولى فهي قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} [النازعات:٦]، فكقوله جلت عظمته: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} [المزمل:١٤].
مجرد إرجاف، مثل الزلزال، وهو فزع شديد جداً.
ولذلك إذا حصل زلزال تجد أن كل الناس في غاية الذعر والرعب، فهذا هو الفزع؛ ولذلك سميت النفخة الأولى بنفخة الفزع؛ لما يصيب الناس من ذعر ورعب وفزع.
قال: أما الثانية: وهي الرادفة التي تتبعها، فهي كقوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة:١٤].
هذه نفخة الصعق.
وعند الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي بن كعب: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جاءت الراجفة) أي: النفخة الأولى.
(تتبعها الرادفة) أي: النفخة الثانية (جاء الموت بما فيه) أي: من أهوال، (فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟) أي: أهذا أمر ينجيني من هول هذا الموقف؟ قال: (إذاً: يكفيك الله ما أهمك من شأن دينك ودنياك).
لو كنت صادقاً مخلصاً في أنك وجهت كل دعائك للنبي عليه الصلاة والسلام فإن الله يكفيك هول هذا الموقف.
اللهم صل على نبينا محمد! وعند الترمذي: (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس! اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه).
والصلاة هنا بمعناها اللغوي: الدعاء؛ لأنه لا يجوز صرف الصلاة الشرعية للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا شرك بالله؛ ولذلك كثير من العوام يعتقد أن الفرض حق الله، وأن السنة للنبي صلى الله عليه وسلم.
يعني: يصلي الفرائض لله، ويصلي السنة للنبي صلى الله عليه وسلم، وه