[ما تعرضت له القدرية من العلماء والحكام]
قال: [وأن ابن عمر ممن تكلم بهذا أو اعتقده بريء منهم وهم براء منه.
وكذلك عرض -أي: أمر القدرية- على ابن عباس وأبي سعيد الخدري وغيرهما فقالا مثل مقالته -أي: عبد الله بن عمر - وسنذكر هذه الأقاويل بأسانيدها وألفاظها في المواضع التي تقتضيه إن شاء الله].
قال: [ثم انطمرت هذه المقالة، وانجحر من أظهرها في جحره -يعني: انطمست هذه المقالة، ولم يكن لها أتباع ولا دعاة- وصار من اعتقدها جليس منزله، وخبأ نفسه في السرداب كالميت في قبره خوفاً من القتل والصلب والنكال والسلب من طلب الأئمة لهم لإقامة حدود الله عز وجل فيهم، وقد أقاموا في كثير منهم، ونذكر في مواضعه أساميهم، وحث العلماء على طلبهم، وأمروا المسلمين بمجانبتهم، ونهوهم عن مكالمتهم، والاستماع إليهم، والاختلاط بهم لسلامة أديانهم].
ولذلك أهل العلم في كل زمان هم أحرص الناس وأشفق الناس على الأمة، فهم من باب النصيحة يوجهون الكلام إلى عامة المسلمين ويقولون لهم: لا تجالسوا أهل البدع، ولا تحدثوهم، ولا تأخذوا عنهم، فإن ذلك هو الذي يسبب السلامة لدينكم.
أما إذا جلستم معهم، وخالطتموهم وتحدثتم إليهم، وأخذتم عنهم، وتحملتم العلم عنهم، فإنه لا يؤمن عليكم أن تقعوا في فتنتهم، ولكثر أتباع أهل البدع.
يعني: عندما يظهر شخص مثل معبد الجهني في البصرة، ويكون له أتباع عظام جداً، لم لم يتبعه أهل العلم في ذلك الزمان؟ بل أنكروا عليه بدعته، وحذروا العامة منه.
لكن لما تنكب العامة نصيحة أهل العلم لهم بألا يقتربوا من هؤلاء وقعوا في شراكهم وحبالهم؛ لأنه ليس عندهم من العلم والعقيدة السليمة ما يؤهلهم لبيان هذه المفتريات والرد عليها، ولكنهم لما اقتربوا منهم وقعوا في بدعتهم؛ لأن كلام أهل البدع في الغالب حلو جميل خاصة إذا لم يفضح أمرهم على الملأ.
وفي هذا الزمان كثير جداً من أهل البدع، فعندما نأتي وننهى الناس عن الاقتراب منهم والجلوس إليهم والأخذ عنهم يقول لك: لا.
فهذا كلامه منطقي ومعقول جداً، ولو لم يعجبك ممكن أنسق لك معه لقاء تناقشه.
أنت يا صعلوك! الذي ستنسق لقاء؟! ما علاقتك بهذا اللقاء؟ ثم بعد ذلك هو الذي يدير اللقاء! واحد جاهل لا يستطيع أن يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته هو الذي يدبر ويسير الأمور بين أهل العلم.
يعني: هو المتحكم في أهل العلم، وعندما تأتي تكلمه تقول: أنا خائف عليك.
يقول لك: لا.
لا تخف عليَّ، أنا منتبه.
منتبه من ماذا؟! أنت جاهل، أنت لا تعرف شيئاً.
يقول لك: النقاب حرام، فتقول له: من الذي قال ذلك؟ يقول لك: إسماعيل منصور.
مع أن هذا قول مخترع جديد لم يقل به أحد من أهل العلم قاطبة، لا قديماً ولا حديثاً، حتى المخالفين للنقاب يقولون: النقاب فضيلة، النقاب مستحب.
والذين لا يقولون بوجوبه يقولون باستحبابه وبفضله.
أما القول بحرمته فلم يقل به أحد، حتى الأبالسة لم يقولوا بهذا، لكن قد يقول لك: هذا عنده حجة قوية! أأنت أيها الجاهل! الذي ستحكم عن الحجة بأنها قوية أو ليست بقوية؟! فيقول لك: لو لم يعجبك ممكن أنسق لك لقاء تتناقش معه، وبعد ذلك هو الذي يرتب ويدير المجلس! ومن هنا يدخل الشيطان على عامة الناس، والمطلوب هنا ألا نقترب من أهل البدع قط.
وهذا منهج السلف إن قبلته كنت على الهدي والصراط المستقيم، وإن رددته كنت على طريق أهل البدع.
لكن لماذا العلماء يناقشون أهل الابتداع؟ لأنهم لا خوف عليهم، وهذا دورهم الذي كلفهم الله تعالى به، ولذلك نحن نرى أن أهل العلم في كل زمان ومكان يحذرون من الاقتراب من أهل البدع وهم يقتربون؛ لأن دورهم مزدوج، يأمرك أنت ألا تذهب إليه ويذهب هو إليهم ليدحض حجتهم، ويبين فسادها ويكشف عوارها لعامة الناس حتى يحذروهم.
والخلاصة: أن أهل العلم إنما حثوا على عدم الاختلاط بالمبتدعة، وأمروا المسلمين بمجانبتهم، ونهوهم عن مكالمتهم والاستماع إليهم حتى يستقيم لهم أمر دينهم.
قال: [وشهروهم عندهم بما انتحلوا من آرائهم الحديثة].
لأن المبتدع إذا لم يجد له أعواناً فكيف سينشر بدعته؟ وكيف سيشتهر؟ ثم ائتوني ببدعة فيها علماء مشهود لهم بالاستقامة والصلاح.
لا يمكن أن تجد هذا أبداً.
والمبتدعة إنما هم رعاع الناس وسفلة القوم.
فمثلاً بدعة التصوف هل فيهم أهل علم مشهود لهم بالصلاح والاستقامة على الكتاب والسنة؟ أبداً.
بل إن أهل العلم هم الطبقة الكبيرة، وعندما تأتي وتنظر في رعاع الجماعة وعامة الجماعة تجد أن سفلة القوم لا عقول لهم من الأصل.
قال رحمه الله: [وشهروهم عندهم بما انتحلوا من آرائهم الحديثة، ومذاهبهم الخبيثة، خوفاً من مكرهم أن يضلوا مسلماً عن دينه بشبهة وامتحان، أو بريق قول من لسان، وكانت حياتهم كوفاتهم].
أي: هم أحياء، لكن كأنهم ميتين؛ لأنهم لا قيمة لهم، ولا خير فيهم، ولا نفع من ورائهم.
قال: [وأحياؤهم عند الناس كالأموات، المسلمون منهم في راحة، وأديانهم في سلامة، وقلوبهم ساكنة، وجوارحهم هادية، وهذا حين كان الإسلام في نضارة، وأمور المس