قال شيخ الإسلام: واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عياناً، ومعنى عياناً: بأعينهم، ولكن ذلك بشرطين: أن هذه الرؤية تتم في يوم القيامة، ولأهل الإيمان خاصة، كما يرون الشمس والقمر.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أقوام يدعون أنهم يرون الله بأبصارهم في الدنيا، فبعضهم يقول: أنا رأيت الله في المنام، وأنهم يخطر لهم بغير سؤال ما حصل لموسى بالسؤال، فانظر إلى هذه الكرامات! أي: أن الله منحهم هذه الكرامة من غير أن يسألوه، ومنعها عن موسى بعد أن سأله، فهم أكرم على الله من موسى عليه السلام الذي هو من الأنبياء! فأجاب: أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم في الآخرة، وأجمعوا على أنهم لا يرونه في الدنيا بأبصارهم، ولم يتنازعوا إلا في النبي عليه الصلاة والسلام.
وثبت عنه في الصحيح أنه قال:(واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت) يعني: حتى يموت فيبعث يوم القيامة.
فبعد هذا الإجماع المنعقد من الأمة المبني على الدليل:(واعلموا أن أحداً منكم لن يرى الله حتى يموت) من يقول: أنا رأيت ربنا، نقول له: أنت كذاب.
ومن قال من الناس: إن الأولياء أو غيرهم يرى الله بعينه في الدنيا فهو مبتدع ضال.
ومعظم الصوفية يدعي ذلك، كما قال أحدهم: لو فاتتني رؤية ربي في كل يوم وليلة لعددت نفسي منافقاً، فنقول له: أنت كافر بهذه الادعاءات، وهذا كذب.
قال: فهو مبتدع ضال، مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة؛ لاسيما إذا ادعوا أنهم أفضل من موسى عليه السلام، فإن هؤلاء يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا، والله تعالى أعلم.
هذا ولم يثبت عن أحمد بن حنبل أنه رأى ربه، ولم يثبت عن الأوزاعي كذلك أنه رأى ربه، وهب أن ذلك ثبت فإنه لا عبرة بهذا الثبوت، فإن رؤية واحد من الأمة لا يمكن أن نعارض بها ما ثبت من النصوص وإجماع السلف.
وأنتم تعلمون أن هناك فرقاً عظيماً بين قول المحدث: هذا أثر أو حديث صحيح، وبين قوله: هذا إسناد صحيح، أما قوله:(هذا حديث صحيح) أو (أثر صحيح) فهذا كلام ينطبق على المتن، وهو ما انتهى إليه السند من الكلام، وأما قوله:(هذا إسناد صحيح) فلا يستلزم قطعاً صحة المتن، فقد يكون السند صحيحاً والمتن شاذاً أو به علة، ومن علل المتن أن يخالف كتاب الله، أو أن يخالف حديثاً صحيحاً، أو يخالف ما أجمعت عليه الأمة، أو تحيل العقول السليمة الصحيحة المستقيمة على منهج النبوة أن يكون هذا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، أو من كلام واحد من أصحابه، ولو كان ذلك لرد لأجل هذه العلل، فما بالك بعد أن سمعت الآيات والأحاديث وإجماع سلف الأمة على أنه لن يرى الله تعالى أحد حتى يموت فيبعثه الله؟ فإذا قلت: قد رأى أحمد ربه، ورأى الأوزاعي ربه؛ قلنا: لا عبرة بهذه الرؤية إن صحت، ومع ذلك فهي غير صحيحة، فليس هناك نزاع ولا اختلاف والحالة هذه.