[كلام بعض السلف في معنى الإيمان ومقتضياته]
قال: [وعن عدي بن عدي قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز]، وعدي بن عدي هو والي الجزيرة لـ عمر بن عبد العزيز في فترة خلافته.
قال: [كتب إلي عمر بن عبد العزيز: أما بعد: فإن للإيمان فرائض]، يعني: أعمالاً مفروضة مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك.
إذاً: الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك من فرائض الإسلام هي من فرائض الإيمان كذلك.
قال: إن للإيمان فرائض، وهي الأعمال التي فرضها الله عز وجل على أهل الإسلام.
قال: [فإن للإيمان فرائض وشرائع]، هذه الشرائع هي العقائد الدينية، أو الأمور الغيبية الاعتقادية.
إذاً: عندنا الفرائض هي الأعمال المفروضة، وعندنا الشرائع هي المعتقدات.
إذاً: فجانب الاعتقاد يطلق عليه شريعة، وجانب الفرائض يطلق على الأعمال، والشريعة عمل قلبي، وهي: مجموعة الاعتقادات، والاعتقادات محلها القلب.
فيكون قول عمر هنا: إن للإيمان فرائض وشرائع، وفي رواية البخاري في مقدمة كتاب الإيمان أنه أورد هذا الأثر قال: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، والحدود هي التي ترتبت عن ارتكاب المنهيات.
قال: [وسنناً -أي: مندوبات- فمن استكملها استكمل الإيمان]، يعني: من أتى بالفرائض والشرائع وترك ما يستوجب الحد وأتى بالسنن والمندوبات والمستحبات فقد استكمل الإيمان.
وهذا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص عند عمر بن عبد العزيز، من أتى بهذه الأعمال كلها سواء كانت اعتقادية أو عملية فقد استكمل الإيمان.
قال: [ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن عشت أبينها لكم حتى تعملوا بها]، ليس المقصود بيان الأصول، وإنما بيان الفرعيات الدقيقة؛ لأن الأصول مستقرة لدى التابعين.
قال: [فإن عشت أبينها لكم حتى تعملوا بها إن شاء الله، وإن مت فوالله ما أنا على صحبتكم بحريص.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزك فلا صلاة له]، يعني: أنتم أمرتم بالصلاة والزكاة، والأمر بهما مقرون في كتاب الله وفي سنة رسوله، فلم فرقتم بين هذا وذاك؟ قال: [فمن ترك الزكاة فلا صلاة له.
وقال: من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فليس بمسلم ينفعه عمله.
وعنه قال: ما تارك الزكاة بمسلم.
وكان هشام بن حسان في حلقة بمكة فقيل له: ما كان الحسن يقول في الإيمان؟ قال: كان الحسن يقول: هو قول وعمل، وقيل للحسن: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة، قال: الصبر على محارم الله، والسماحة في فرائض الله]، فالصبر على ألا يقترف معصية من معاصي الله عز وجل، والسماحة القيام بطاعة الله عز وجل.
قال: [وقال عبد الله بن عبيد بن عمير: الإيمان قائد]-أي: الإيمان هو بمثابة القائد الذي يقودك إلى الله- والعمل سائق، والنفس حرون]، ومعنى حرون: تأبى عليه، يقال هذا حرون، أو هذا الحمار أو الحصان حرن، وهذه الكلمة عربية أصيلة، يعني: أن الدابة مهما ضربتها فإنها لا تنقاد.
فهو يقول: الإيمان قائد والعمل سائق، أي: الإيمان يقودك إلى الله والعمل معه بمرتبة السائق، والنفس بطبيعتها تأبى وترفض هذا، فمن تغلب على نفسه نفعه إيمانه وعمله.
قال: فإذا وني قائدها، كأنه يقول لك: إياك أن تضعف، إياك أن تفتر.
قال: [فإذا وني قائدها لم يستقم سائقها]، يعني: إذا نقص الإيمان لم ينفعه العمل، إذا وني قائدها لم يستقم سائقها، قال: [الإيمان بالله مع العمل والعمل مع الإيمان، ولا يصلح هذا إلا مع هذا حتى يقدمان على الخير إن شاء الله تعالى.
وعن إبراهيم التيمي قال: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً]، أي: ما عرضت بزعمي الإيمان الكامل على عملي القليل النادر إلا خشيت أن أكون إنساناً كذاباً، وهذا الكلام محمول منه على الورع الشديد جداً في قوله هذا، وهذا هو الظن به.
فإذا كان إبراهيم التيمي لم يحقق كمال الإيمان، فمن الذي سيحققه؟ فكيف إذا أتى ورآنا ونحن في أسوأ حال؟ ومع هذا تجد منا من هو في منتهى الجرأة على الله فيدعي تمام الإيمان وكماله، ويقول بكل بجاحة: إن قلبي عامر بالإيمان! وكل هذا كذب وعواطف، وإبراهيم التيمي لم يكن يعرف هذا.
إبراهيم التيمي قد حقق أحسن الأعمال وأكملها وأتمها، ولكنه يقول: العملية أقل مما يطلب منا بكثير جداً.
وقال عبد العزيز بن أبي رواد بعد أن سأل هشام بن حسان وهو في الطواف، ما كان الحسن يقول في الإيمان؟ قال: كان يقول: هو قول وعمل.
قال: [وعن زيد بن أسلم -وهو من أئمة المدنيين وسيد من سادات التابعين- يقول: لابد لهذا الدين من أربع]، يعني: حتى يستقيم لك دينك لابد من اجتماع أربع مسائل: قال: [دخول في دعوة المسلمين]، أي: ألا تفارق جماعة المسلمين.