[أخطاء سيد قطب رحمه الله لا تعني بغضه وعدم الترحم عليه]
السؤال
هل سيد قطب من المتأولة؟
الجواب
إذا أردنا الكلام عن الأديب البارع السيد قطب فلا شك أن هذا الرجل كانت له ظروف علمها من علمها وجهلها من جلها، فـ سيد قطب عليه رحمة الله ظهر في فترة كان الناس فيها هم للكفر أقرب منهم للإيمان، ولم يكن هذا العلم السلفي منتشراً في ذلك الوقت، قضى سيد قطب معظم حياته في سجون عبد الناصر الهالك عليه من الله تعالى اللعنة، فلم يتأهل اعتقادياً قبل أن يدخل السجن، كـ النووي عليه رحمة الله لم يتمكن من دراسة العقيدة، واكتفى بالنقول من المازري والقاضي عياض وكلاهما أشعري، ولكنه ينقل عنهما التأويل دون تقعيد وأحياناً يقعد، وأحياناً ينقل ويستحسن، واعتذر عنه بعض تلاميذه أنه لم يكن قد تمكن من دراسة علم الاعتقاد على يد مشايخ زمانه، فوقع فيما وقع فيه، فإن قيل: الإمام النووي هل هو أشعري جملة؟
الجواب
لا.
ليس كل من وقع في بدعة ينسب إليها، كما أنه ليس كل من وقع في الكفر يصير كافراً، فأحياناً يقع المسلم في قول كفري أو فعل كفري لكن لا يلزم من وقوع هذا الكفر الكفر، كما أن الرجل يقع في البدعة ولما يعلم بعد أنها بدعة.
يذكر أن رجلاً من المحدثين عمل بحديث ضعيف عشرين عاماً، فقال أحد تلامذته: إن هذا الحديث فيه فلان وفلان وهما ضعيفان، فوجد المحدث أن الطالب صادق فبكى.
قيل له: خير يا إمام! يعني: هون عليك.
قال: خير؟! والله ما في عملنا منذ عشرين عاماً بهذا النص خير قط.
فلا يلزم من وقوع الرجل في بدعة أنه مبتدع، كما لا يلزم من وقوعه في الكفر أنه كافر، بل ولا يلزم من إطلاق الكفر على الجماعة كفر كل معين فيها، فلو قلنا: إن بلداً من البلدان كافرة، هل يلزم من هذا أن كل من بهذه البلد يكون كافراً؟ فهاهي أمريكا بلد كفر، ومع ذلك نجد كثيراً من إخواننا يعيشون في تلك البلاد، فلا يلزم من إطلاق الحكم العام بالكفر على مجموعة لزوم هذا الكفر على كل فرد من أفراد المجموعة، ولذلك لما نقول: لعنة الله على الظالمين، هل كل ظالم ملعون بعينه؟ الجواب: لا، فهناك ظلم لم يرد النص بلعن صاحبه في القرآن ولا في السنة، ومع هذا فهو ظلم، لكن لا يلزم منه إثبات اللعن في شخصه.
نرجع إلى كلامنا: سيد قطب عليه رحمة الله وقع في تأويل بعض الصفات، وهو كغيره من أهل العلم نحب فيه الصلاح والخير والطاعة وموافقة السنة.
أليس هذا منهج أهل السنة والجماعة؟ ونكره كل ما يخالف الحق ويخالف الكتاب والسنة.
وكوننا نكره ما يأتي من قبل عالم أو مجتهد في مسألة من المسائل خالف فيها الحق لا يعني ذلك بالضرورة أننا نبغضه هو، بل نحن نحب سيد قطب عليه رحمة الله، ونتولاه وندعو له بالرحمة، وندعو له بالخير، وندعو له بأن يبيض الله تبارك وتعالى وجهه مع وجوه المؤمنين يوم القيامة، وفي نفس الوقت نرد عليه ما خالف فيه الكتاب؛ لأن الكتاب أحب إلينا من سيد قطب وغيره، والسنة أحب إلينا من أنفسنا وليس من سيد قطب فحسب.
فالشيخ سيد قطب عليه رحمة الله خالف منهج السلف في كثير من الصفات كما هو في كتاب (الظلال) وغيره من كتبه.
فأغلب الظن أن سيد قطب لم يتأهل في هذا الباب، وليس في هذا عيب؛ لأن معظم حياة سيد قطب قضاها في السجون، وأنت تعجب إذا علمت أنه ألف (الظلال) وهو في السجن.
وأنت لو كلفت أن تحفظ جزء عم في السجن قد تعجز.
كان عبد الناصر وزبانيته من كلاب الأرض في ذلك الزمان يحبسون سيد قطب في داخل سجونهم وزنازينهم، ولو كنت مكانه لأيقنت أنك لن تستطيع أن تفسر لحظة واحدة تفسيراً هادئاً، فكيف برجل يخرج هذا التفسير العظيم من بين جدران السجون؟ فإذا نظرت إلى خطئه في الاعتقاد فانظر إلى إصابته الحق في كثير من المسائل التي تكلم فيها في كتابه الظلال.
فالشاهد من هذا الكلام: أن السيد قطب له حسناته الكثيرة، وله أخطاؤه كذلك، فما أخطأ فيه نرده على سيد قطب وعلى غيره، وكذلك وجب علينا أن نقبل ما أصاب فيه ووافق الكتاب والسنة؛ لأن الحق ضالة المؤمن يلتمسه ويأخذه حيث وجده.