[القاعدة الأولى: إفراد الله تبارك وتعالى بالوحدانية في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله]
أول قاعدة هي: إفراد الله تبارك وتعالى بالوحدانية، سواء في ذاته أو في أسمائه أو في صفاته أو في أفعاله.
ومعنى أنه واحد في ذاته: أن أحداً من خلقه لا يشبه ذاته، فإن جميع المخلوقين ذوات، فذات الإنسان وذات الحيوان وذات الجن وذات الجماد والحجر والشجر تختلف تماماً عن ذات المولى تبارك وتعالى، ولا يجوز لأحد أن يتصور في الذهن أن ذات الله تبارك وتعالى كذاته هو؛ لأن الله تعالى ليس له مثيل؛ ولذلك قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فنفى التمثيل والتشبيه بينه وبين جميع المخلوقات، فلا أحد يشبهه قط في شيء من الأشياء، ولا في ذاته العلية تبارك وتعالى.
فلما كان واحداً في ذاته فهو كذلك واحد في صفاته، فالمرء يتصف بالرحمة، والله تبارك وتعالى متصف بالرحمة، ولكن الله تعالى واحد في رحمته، إذ إن رحمته لا تشبه رحمة المخلوقين جميعاً ولو اجتمعت، فلا يجوز أن أقول: (أنا رحيم والله تعالى رحيم فرحمتي كرحمة الله).
هذا لا يجوز؛ لأنني في هذه الحالة جعلت الشبه قائماً بين صفتي وصفة المولى تبارك وتعالى، وهذا لا يجوز، والله تعالى واحد في صفاته، وليس لأحد من خلقه أن يتصف بصفة من صفاته إلا على وجه الكمال البشري، أو على وجه النص العام، فربما يتصف المرء بأنه رحيم بكل الناس، لكن هل رحمته وسعت كل شيء كما وسعت رحمة المولى تبارك وتعالى كل شيء؟ لا.
لأن الله لم يثبت لعبد من عباده رحمة واسعة.
فرحمة الله تختلف عن رحمة جميع المخلوقين، وهذا يبين القول بأن الله تعالى واحد في صفاته.
وصفاته تبارك وتعالى لازمة له، وأما صفاتنا فليست بلازمة؛ لأنني يمكن أن أقول: سماني أبي وأمي رحيماً، أو كريماً، وليس عندي رحمة بل أنا غضوب وجهول، وبخيل لست كريماً، أما المولى تبارك وتعالى إذا سمى نفسه بالرحيم ووصف نفسه بالرحمة يلزم أن يكون رحيماً.
وإذا كان المولى تبارك وتعالى من أسمائه الحسنى: الكريم، فهو متصف بالكرم؛ لأنه كريم بكرم، ولا يكون المولى تبارك وتعالى بخيل قط، والبخل هو عكس الكرم؛ لأن البخل صفة نقص لا تليق بالبشر فضلاً عن رب البشر.
فالمولى تبارك وتعالى واحد في صفاته، كذلك واحد في أفعاله.
إذا أخبرنا المولى تبارك وتعالى بأنه ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، ويقول: (هل من داعٍ فأجيبه، هل من مستغفر فأغفر له)، وغير ذلك من النداءات التي ينادي بها المولى تبارك وتعالى فلا نقول: إن الله تعالى ينزل كنزولي هذا وينزل الدرج.
لأن نزول المولى تبارك وتعالى نزولاً كاملاً يليق بجلاله وكماله، أما نزولي أنا فيتفق مع عجزي وضعفي ونقصي.
وهو كذلك سبحانه وتعالى يغضب، لكن ليس كغضبي، ويفرح ليس كفرحي، وهكذا أفعاله تبارك وتعالى، هو واحد في أفعاله لا يجوز أبداً أن أشبه أفعالي بأفعال المولى تبارك وتعالى، إنما هو اشتراك في الاسم دون المسمى، فنزوله عز وجل يوافق نزولي في الاسم فقط ويختلف في المسمى.
وإذا كنت لم أر الله تبارك وتعالى، وأخبرني أنه ينزل فهذا النزول لا أعلم أنا كيفيته، وليس نزول أحد من الخلق كنزول الله تبارك وتعالى حتى أقول: إن الله ينزل مثل فلان؛ لأنه قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، فنفى المماثلة والمشابهة بينه سبحانه وبين أحد من الخلق، فهو واحد في ذاته، واحد في أسمائه، واحد في صفاته، واحد في أفعاله.