[النظر إلى أحوال السلف في متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم]
ولينظر أحوال السلف في متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فليقتد بهم، وليختر طريقهم.
قال بعضهم: لقد تقدمني قوم لو لم يجاوزوا بالوضوء الظفر ما تجاوزته.
يعني: لو كان الوضوء هو غسل الظفر فقط ما غسلت غيره؛ دفعاً للوسواس.
قال زين العابدين يوماً لابنه: يا بني! اتخذ لي ثوباً ألبسه عند قضاء الحاجة، فإني رأيت الذباب يسقط على الشيء ثم يقع على الثوب؛ لأن الحمام فيه ذباب والذباب يقع على الوساخة والقاذورات، ثم إذا دخلت الحمام وقع هذا الذباب علي.
قال: ثم انتبه زين العابدين فقال: ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه إلا ثوباً واحداً، فتركه.
وكان علي بن أبي طالب يدخل المسجد فيطأ الوحل والطين من بيته إلى المسجد، ثم يصلي ولا يغسل قدمه، فلما حُدِّث في ذلك قال: أليس في الصيف يجف هذا الطيب ويصير تراباً، فتسفيه الرياح على وجهك وفي شعرك وثوبك فتصلي به، أم أنك تتوضأ؟ قال: أصلي به، قال: وأنا أصلي به الآن.
وأتى رجل إلى ابن قدامة وقال له: يا إمام! إني أشكو من عجزي أن أكبر في الصلاة، قال: تشكو من ماذا؟ قال: لا أستطيع أن أقول: الله أكبر، فكيف أقولها؟ قال: قلها كما قلتها الآن.
قال: وكان عمر رضي الله تعالى عنه يهم بالأمر ويعزم عليه، فإذا قيل له: لم يفعله عليه الصلاة والسلام انتهى، حتى إنه قال: لقد هممت أن أنهى عن لبس هذه الثياب؛ فإنه قد بلغني أنها تصبغ ببول العجائز، فقال له أبي بن كعب: مالك أن تنهى؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبسها ولُبست في زمانه، ولو علم الله أن لبسها حرام لبينه لرسوله، فقال عمر: صدقت.
ثم ليعلم هذا الموسوس أن الصحابة ما كان فيهم موسوس، ولو كانت الوسوسة خيراً من الله عز وجل لأعطاها أولاً لأنبيائه ورسله، ثم لأصحاب أنبيائه ورسله، ثم للأمثل فالأمثل، فلما حجبها عن هؤلاء جميعاً دل على أنها شر.
ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادخرها الله عن رسوله وصحابته وهم خير الخلق وأفضلهم، ولو أدرك رسول الله عليه الصلاة والسلام الموسوسين لمقتهم وذمهم، ولو أدركهم عمر رضي الله تعالى عنه لضربهم وأدبهم، ولو أدركهم الصحابة لبدعوهم وغير ذلك من كلام السلف رضي الله تبارك وتعالى عنهم.
وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي عن شيخه أبي الوفاء بن عقيل: أن رجلاً قال له: أنغمس في الماء مراراً كثيراً وأشك هل صح لي الغسل أم لا، فما ترى يا إمام؟ فقال له: قد سقطت عنك الصلاة.
قال له: كيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة ومنها: المجنون حتى يفيق) وأنت إنسان مجنون، فالذي ينغمس في الماء مراراً ولا يرى أنه قد طهر لابد أن عقله قد ذهب، وربما شغله بوسواسه حتى تفوته الجماعة، وربما فاته الوقت وأشغله بوسوسته في النية حتى تفوت التكبيرة الأولى، وربما فوت عليه ركعة أو أكثر، ومنهم من يحلف أنه لا يزيد على هذا ثم يكذب.
فالأمثل في الموسوسين الذي يخطف تكبيرة الإحرام ويركع مع الإمام، إذ يفوت على نفسه تكبيرة الإحرام وهو كان مدركاً لها، ويفوت على نفسه قراءة الفاتحة وكان في حقه مستطاعاً؛ وكل ذلك وهو يرفع يديه يقول: الله أك، الله أك، الله أك، أك أك أك إلى أن يركع الإمام.
يقول ابن قدامة: ثم إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان -أي: أن هذا الموسوس مطيع للشيطان وليس مطيعاً لله عز وجل- حتى اتصفوا بوسوسته، وقبلوا قوله وأطاعوه، ورغبوا عن اتباع النبي عليه الصلاة والسلام -يعني: زهدوا في اتباع النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته- حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء النبي عليه الصلاة والسلام، أو صلى كصلاته فوضوءه باطل، وصلاته غير صحيحة، ويرى أنه إذا فعل مثل فعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في مواكلة الصبيان، وأكل طعام عامة المسلمين أنه قد صار نجساً يجب عليه تسبيع يده، يعني: يجب عليه أن يغسل يده سبع مرات.
وأهل العلم يقولون: الفقه كل الفقه في الاقتصاد في الدين، والاعتصام بالسنة، ولذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة.
وقال أبي بن كعب: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما من عبد على السبيل والسنة ذكر الله عز وجل فاقشعر جلده من خشية الله تعالى إلا تحاتت عنه خطاياه -أي: تساقطت- كما يتحات عن الشجر اليابسة ورقها، وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة، فاحرصوا إذا كانت أعمالكم اقتصاداً أن تكونوا على منهاج الأنبياء وسنتهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.