[إثبات صفة العين لله تعالى]
نريد أن نثبت لله عز وجل صفة العين، فصفة العين صفة ذاتية لله تبارك وتعالى، غير مباينة عنه، فكما أثبتنا اليد لله عز وجل وأن اليد غير مخلوقة، وأنها غير مباينة له سبحانه، بخلاف يد المخلوق فممكن مباينتها بقطعها.
إذاً: الصفات الذاتية هي اللازمة لذات الإله تبارك وتعالى، كما أنها خبرية.
أي: قد ورد الخبر بها، ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة.
وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى يبصر ببصر، كما أنه يسمع بسمع، ويعلم بعلم، كما يعتقدون أن لله عز وجل عينين تليقان به لكنهما ليستا كعيون المخلوقين؛ لأن هذا يستلزم التمثيل، والتمثيل حرام، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، فكل شيء في الوجود لا يشبه ولا يماثل ولا يكافئ ولا يعدل الله تعالى، فإذا كان كذلك فلا يجوز لي أن أقول: إن الله تعالى له عيناً كعيني أو عينان كعيني؛ لأن هذا يستلزم التمثيل والمشابهة، وهو محال.
كما أنني لا يجوز لي أن أقول: إن عين الله ليست على الحقيقة، بل هي مجاز والمقصود منها: الرعاية أو الرؤية أو غير ذلك؛ لأنني إذا قلت بالمجاز أو التأويل، لابد وأنني سأقع في التعطيل، وهو: نفي ما أثبته الله تعالى لنفسه وما أثبته له رسوله الكريم.
فالله تعالى قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وهو نفي للماثلة، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، إثبات للأسماء والصفات على الوجه الحقيقي اللائق بالله عز وجل.
أما دليل إثبات العين من الكتاب فقوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود:٣٧]، أي: واصنع يا نوح السفينة ونحن ننظر إليك بأعيننا، ((وَوَحْيِنَا)) أي: وإلهامنا لك كيف تصنع السفينة، فالوحي هنا بمعنى الإلهام.
والمعنى: أن الله تعالى أمر نوحاً عليه السلام أن يصنع السفينة من ألواح الخشب والمسامير والحبال يربط بها أطراف السفينة حتى يحمل فيها أهل الإيمان ويسير في البحر إلى أن يصل إلى بر الأمان والنجاة، فيغرق الله تبارك وتعالى من تخلف عنه.
إذاً: نقول بإثبات العين الحقيقية لله عز وجل، وأن الله كان ينظر إلى نوح على الحقيقة بعينيه الحقيقتين وهو يصنع الفلك، ويوحي إليه كيف يصنع السفينة.
وقال تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩].
وهذا الخطاب موجه لموسى عليه السلام، فقد ألقى عليه محبة في قلوب الخلق، وكذا محبة الله عز وجل لموسى كلاهما يمكن القول به، ولا تناف بينهما؛ لأنه قد ورد في الحديث: (أن الله تعالى إذا أحب عبداً ألقى محبته في قلوب العباد، بل أمر الملائكة أن يحبوه، ثم يوضع له القبول في الأرض) أي: المحبة.
قال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] أي: ولتربى.
فالصناعة هنا بمعنى التربية، ولذلك تختلف بحسب الحال، تقول: صناعة بيت، وصناعة الأخشاب، وصناعة الدروع، وصناعة الملابس، فكل صنعة من هذه الصنعات تختلف عن غيرها، فصناعة البيت.
أي: بناؤه.
وصناعة الثوب.
أي: حياكته وخياطته.
وصناعة الآدمي.
أي: تربيته.
ومعنى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي: ولتربى على عين الله عز وجل.
أي: الله تبارك وتعالى يرعاك ويحفظك ويكلؤك وينظر إليك بعينيه الحقيقيتين، ولا غرابة في ذلك.
ولذلك أهل البدع يقولون: إنكم تتأولون إذا أردتم أن تتأولون، وتنكرون على من يتأول إذا أردتم الإنكار عليه، فاثبتوا على قدم واحد؟ يوجهون هذا اللوم لأهل السنة.
فنقول: إننا نعتقد في قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أن الله تعالى يرعاه ويكلؤه ويحفظه ويربيه وينظر إليه وغير ذلك.
فنحن نثبت الصفة ولازمها، فالفرق بيننا وبين أهل البدع أننا نثبت الصفة ولازمها بخلافهم؛ فإنهم يثبتون لزوم الصفة وينكرون الصفة، فمثلاً: قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠]، يقول أهل البدع: اليد بمعنى القدرة.
وأرادوا من هذا الكلام نفي اليد الحقيقية عن الله عز وجل، بظنهم أن إثباتها إثبات للتمثيل، وهذا كلام باطل، وأهل السنة يثبتون اليد ولازم اليد، فيثبتون الصفة ولازمها، فيلزم من إثبات العين الرعاية والإحاطة والكلأ والحفظ وغير ذلك من المعاني.
أما هم فإنهم يثبتون لوازم الصفة ولكنهم ينكرون الصفة، وبالتالي يقعون في التعطيل، أما نحن فلا نقع في التعطيل ولا في التمثيل؛ لأننا في جانب التمثيل نقول: إن لله يداً حقيقة ليست كأيدي المخلوقين، بل يداً تليق بجلاله.
فلا ننفي الصفة، وإنما نثبتها ونثبت معها اللازم، فقوله سبحانه وتعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩]، أي: إن الله تعالى ينظر إليك بعينيه ويحفظك ويرعاك ويكلؤك.
إذاً: بذلك نكون أثبتنا الصفة ولازمها، فأهل البدع يثبتون لازم الصفة فقط بخلاف الصفة، قال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطو