قال:[فإن قال قائل: إن اسمه ليس منه فإنه قال: إن الله مجهول!] أي: لو قال رجل: إن اسمه ليس منه فإنه يلزمه أن يقول: إن الله مجهول؛ لأن الله لا تتعلق به أسماؤه، وليست لازمة لذاته، والله كان بغير اسم، أي: كان مجهولاً لدى ذاته ثم وجد، لكن الله لما علم أن ذلك نقص وعيب سمى نفسه بأسماء؛ حتى يحصل له التمام، ومن قال بذلك فقد كفر؛ لأن نسبة الجهل إلى الله تعني نسبة النقص إلى الله عز وجل، والله متصف بكل كمال وجلال وعظمة، ومن قال: بأن الاسم غير المسمى يلزمه أن يقول: إن الله كان بغير أسماء، وهذا عيب ونقص، والله منزه عن العيب والنقص.
قال:[فإن قال: إن له اسماً وليس به]، أي: لو قال المعتزلي: نحن سنوافقكم على أن الله تبارك وتعالى أسماؤه أزلية، أي: كانت له الأسماء، لكنها ليست قائمة ولازمة به، فإنه لابد وأن يقول: إن مع الله إله آخر؛ لأن الأسماء لابد وأن تدل على الذات، فهل -يا معتزلي! - قولك: بأن الله كان وأن أسماءه كانت كذلك، لكن الأسماء لم تكن لازمة له في أول الأمر؛ هل يتصور اسم بغير مسمى، أو مسمى بغير أسماء؟ فإذا قلت: إن الاسم لم يكن له أسماء لازمة به؛ فيلزمك أن تقول بالجهالة، وأن الله كان مجهولاً، وإذا قلت: بأن الأسماء كانت لكنها ليست لازمة لله تبارك وتعالى؛ فيلزمك بأن تقول: بأن هذه الأسماء كانت موجودة على غير مسمى، وهل يتصور اسم بغير مسمى؟! لا يتصور ذلك في المخلوقين، فكيف بالخالق تبارك وتعالى؟! أي: لو قلت: أما رأيت يا فلان! ذلك الرجل الذي اسمه زيد؟ فيقول: هو ابن من؟ فستقول له: هو ابن إبراهيم، فسيقول: إبراهيم هذا لم ينجب له بعد، فستقول له: أعرف ذلك، لكنه ولد جميل ولطيف، وصاحب شعر أصفر، وعيون زرقاء أو خضراء، فسيقول لك: يا فلان! ما الذي جرى لك؟! أتصف رجلاً غير موجود؟! فستقول له: نعم باعتبار ما سيكون بإذن الله، فسيقول لك: أنت مجنون؛ لأنك تصف بهذا الإتقان وبهذه الدقة ذاتاً غير موجودة، ولأنه لا يتصور أسماء بغير مسمى.
والمعتزلة أو بعض المعتزلة أحبوا أن يوافقوا أهل السنة في أن أسماء الله تعالى أزلية، لكنهم خالفوهم في أن الأسماء ليست هي عين المسمى، فالمسمى يكون بغير أسماء، والأسماء موجودة لكنها في جانب آخر، وليست ملازمة لعين المسمى، وليست هي عين المسمى ولا ذات المسمى، فنقول لهم: أنتم بهذا يلزمكم أن تنسبوا الجهالة لله عز وجل، وأنه غير معروف باسم من الأسماء، وأن هذه الأسماء إنما وجدت على غير مسمى، وهذا خبل لا يتصور.
وكل هذا الكلام الذي قلناه هو من الفلسفة، ولو كان هنا صحابي موجود بيننا فإنه سيتركنا ويرحل، أو لو أن الله تعالى أسقط رجلاً من القرون الأولى بيننا الآن وسمع كلامنا هذا؛ فإنه سيترك هذا المسجد؛ لأنه تربى تلك التربية النبوية، لا على هذا الكلام الفلسفي.
والذي جبر علماء الإسلام وعلماء أهل السنة والجماعة على أن يذكروا هذا الكلام هو ذلك الضلال الذي استورد ودخل على المسلمين، حتى أثر في كثير من قلوب أبناء الأمة الإسلامية، فاضطر أهل العلم اضطراراً إلى أن يدخلوه في هذا الباب ليردوه.
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية ألف كتاباً وسماه: نقض المنطق، وهو القائل: من تفلسف فقد تمنطق، ومن تمنطق فقد تزندق، وكان رحمه الله إماماً في الفلسفة والمنطق، والذي جبره على ذلك هو أن يسقط عن هذه الأمة فرض كفاية، وليرد على الفلاسفة وينكر كلامهم، ولو دخل إلينا الآن رجل وقال: أنا أريد أن أعرف هل الله موجود أو ليس بموجود؟ فسنقول له: الله موجود؛ لأن الله تعالى قال كذا وكذا، ويكفي، لكن إن قال: أنا كافر بالكتاب والسنة، فلا تحتج علي بشيء منهما لأنه أصلاً قد أنكرهما وأجحدهما، وبالتالي لابد من حجة عقلية تتناسب مع منهجه، وهذا هو الكلام الفلسفي.
وهذا الكلام لم يكن موجوداً في الزمن الأول؛ لأن العربي كان عنده حلاوة وتذوق لكلام الله عز وجل، فكان ما أن يسمع الآية إلا ويعلم أن هذا كلام الإله العليم القدير، ولا يمكن أن يكون هذا كلام محمد عليه الصلاة والسلام؛ فأين بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم من بلاغة القرآن الكريم؟! ومع هذا فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام من أبلغ العرب، بل هو أبلغ وأفصح من خلق الله عز وجل، ومع هذا فبلاغته شيء وبلاغة القرآن شيء آخر؛ لأن بلاغة القرآن معجزة، وبلاغة النبي عليه الصلاة والسلام ليست معجزة؛ لأنها من كلام العرب، وأما القرآن فهو كلام الله تبارك وتعالى، فهو المعجزة الخالدة الباقية على مر الدهر والزمان.