للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقيدة الثوري في القدر]

قال: يا [شعيب بن حرب لا ينفعك الذي كتبت حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، كل من عند الله عز وجل].

إبليس الذي هو رأس الشر على الإطلاق خلقه الله عز وجل، فلو أنك قلت: إن الخير خلقه الله ولم يخلق الشر مع وجود الشر؛ فلابد أن تقول بخالق ثان غير الله عز وجل، ولكن الخير والشر مخلوق لله عز وجل.

بمعنى: أن الله تعالى خلق الخير وخلق الشر، ولكن الله خلق الخير وأراده إرادة شرعية وكونية، وخلق الشر وأراده كوناً ولم يرده شرعاً.

مثلاً: نهى الله تبارك وتعالى عن القتل في كتابه، ونهى عنه رسوله في سنته، ولكن هل يمكن للقاتل أن يتحرك من بيته، وأن يسل سيفه، وأن يرفع يده، وأن يضرب بها المقتول حتى يقتله بغير إذن الله، وبغير إرادة الله؟ لا.

إذاً! نقول: إن كل ما يقع في الكون بإرادة الله عز وجل، ولكن منه ما يريده الله شرعاً، ومنه ما يريده الله كوناً ونهى عنه شرعاً وهو الشر، فالخير والشر مخلوق لله، بمعنى: أن الله تعالى هو الخالق للخير والخالق للشر، فأنت لابد وأن تؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وأن ذلك كله من عند الله عز وجل.

أيضاً ليس لك حجة في أن تحتج بالقدر على معصية الله.

يعني: لا تقل: أنا قتلت فلاناً بقدر الله.

المعلوم أن كل ما يقع في الكون هو بقدر الله ومنه القتل، ولكن الذي قدر عليك القتل قدر عليك الحد، ولذلك أتى رجل قد سرق إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له عمر: لم سرقت؟ قال: أتحاسبني يا أمير المؤمنين على أمر قدره الله علي؟ قال: نعم.

إن الذي قدر عليك السرقة هو الذي قدر عليك الحد.

وأقام عليه الحد، فلا يجوز لأحد أن يحتج بقدر الله على معصية الله.

قال: [يا شعيب بن حرب والله ما قالت القدرية ما قال الله ولا قال الرسول، ولا قالت الملائكة، ولا قال أهل الجنة، ولا قال أهل النار، ولا قال أخوهم إبليس عليه لعنة الله].

يعني: القدرية قالوا شيئاً لم يقل به كل هؤلاء! وتصور أن فرقة من الفرق تخترع قولاً لم يقل به إبليس فضلاً أن الله لم يقله ولا قاله الرسل والأنبياء، ولا الملائكة ولا أهل الجنة ولا أهل النار، كذلك إبليس عليه لعنة الله لم يقل هذا القول؛ لأن إبليس لا يجرؤ على ذلك؛ أما القدرية فقد قالوا: إن الله لا يعلم أي شيء عن أي عمل أو فعل إلا إذا وقع الفعل على الحقيقة.

يعني: نحن الآن بعد خمس دقائق بالضبط ماذا سيكون وضعنا وحالنا؟ أنعرف هذا الشيء؟ لا.

ولا نستطيع معرفة أننا سنغمض أعيننا أو نفتحها، وإذا تنفسنا هل نخرج النفس؟ وإذا أخرجناه هل نستنشقه مرة أخرى؟ نحن لا نعلم ذلك؟ لكن القدرية يقولون: إن الله لا يعلم أي شيء عن أي عمل ولا قول إلا إذا قيل وعمل! وهم بهذا ينفون علم الله السابق له تبارك وتعالى، إن الله تبارك وتعالى علم ما كان وما يكون وما سيكون، وعلم كل شيء، فينفون صفة من ألزم الصفات الإلهية.

إذاً: الزعم بأن الله لا يعلم شيئاً بلوى عظيمة جداً لم يقل بها إبليس.

قال: [قال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣]].

يعني: بعد أن أوتي العلم ضل به ولم يعمل بهذا العلم، واستخدمه في معصية الله؛ لأنه ليس بلازم أن يكون صاحب العلم صاحب هداية، فالهداية شيء والعلم شيء.

نعم.

العلم يدل على الهداية وهو الطريق إليها، لكن من كان يريد ألا يهتدي، ولا يريد أن يسلك طريق الهداية فلا ينفعه علمه، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:١٧].

يعني: الذين اختاروا لأنفسهم طريق الهداية، فالله تبارك وتعالى وفقهم لطريق الهداية والتقوى وزادهم تقوى وهدى: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) يعني: الإنسان منا لابد وأن يختار طريق الهداية، ثم يوفقه الله سبحانه وتعالى للثبات والهداية والنور والاستقامة على الطريق المستقيم سبحانه وتعالى.

قال: [قال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:٢٣]].

من ممكن أنه يهديه؟ لا أحد؛ لأن الهداية بيد الله، والضلال بيد الله عز وجل.

يعني: الله عز وجل أثبت لنفسه أنه بيده الهداية وبيده الإضلال.

[وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠].

وقالت الملائكة: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:٣٢]].

يعني: صاحب العلم، والعليم الخبير هو الله عز وجل، وهو الذي علم الملائكة، ولا شك أن الذي يعلم غيره هو العالم وهو العليم تبارك وتعالى، فإذا كان الله تبارك وتعالى علم خلقه العل