[الشهادتان والحياء وإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان]
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: في الدرس الماضي من دروس الاعتقاد استعرضنا سريعاً كتاب الإيمان في صحيح البخاري، وقلنا: إن شعب الإيمان محل نزاع بين أهل العلم، منهم من قال: هي بضع وستون، ومنهم من قال: هي بضع وسبعون، وسبق العلماء الإمام ابن حبان، فعد خصال الإيمان من القرآن والسنة، ومن أقاويل السلف رضي الله عنهم أجمعين فبلغ بها بضعاً وسبعين شعبة.
ومرد هذه الشعب إما أن يكون إلى أعمال الجوارح، أو أعمال القلب، أو أعمال اللسان، فمرد هذه الشعب كلها إلى هذه الثلاثة الأصول.
والإمام البخاري إنما نهج في كتاب الإيمان على منوال واحد، فذكر أولاً الإيمان، وبين اختلاف أهل العلم في تعريف الإيمان، هذا في أصول الأبواب عنده.
ثم بين أن الإيمان يزيد وينقص، وعلامات ذلك من كتاب الله تعالى ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بين أن الإيمان شعب ومراتب، ثم ذهب في بقية الكتاب يعدد هذه المراتب وهذه الشعب، فقال: الصلاة من الإيمان، الزكاة من الإيمان، الحج من الإيمان، الجهاد من الإيمان، أداء الخمس من الإيمان، إلى أن عد شعباً عديدة، لكنه لم يجمع شعب الإيمان؛ لأنه إنما قصد في كتابه هذا أن يعد شعب الإيمان التي على شرطه؛ لأنه لا يخرج عن شرطه لأجل أن يعد شعب الإيمان؛ لأن هذا ليس مقصداً أساسياً له بخلاف أنه أراد ألا يذكر في كتابه إلا حديثاً كان على شرطه؛ فهذا استعراض سريع لكتاب الإيمان عند البخاري وليس هو المراد، إنما المراد ذكر كتاب وشعب الإيمان عند الإمام اللالكائي في كتاب أصول الاعتقاد.
ولذلك آثرت أن أرجع إلى نفس الباب من كتاب أصول الاعتقاد للالكائي خاصة وأن الإمام إنما ذكر شعباً لم يذكرها البخاري ولم يذكرها كذلك الحافظ ابن حجر، فقد ذكر شعباً أدلتها ضعيفة لا يمكن تقوى، ولا يمكن إثبات أنها من الإيمان لعدم نهوض الدليل على كونها كذلك.
فقال: [ذكر الخصال المعدودة من الإيمان المروية في الأخبار، فأول مرتبة من إيمانه وأعلاه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله].
قال: [وأدناه -أي: أدنى مراتب الإيمان- إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان].
ثم ذكر حديث أبي هريرة: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاه لا إله إلا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
فهذا الحديث إنما ذكر ثلاث شعب من شعب الإيمان.