[اعتقاد أبي زرعة وأبي حاتم الرازي]
وأما عقيدة أبي زرعة الرازي، وأبي حاتم الرازي فقد ورد عن ابن أبي حاتم أنه قال: [سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك؟].
وأبو حاتم، وأبو زرعة كانا كفرسي رهان، كاد الناظر في علمهما أن يقول: إنهما نسخة واحدة أو شخص واحد، ولكن أبا زرعة يزيد قليلاً في التوثيق والإمامة عن أبي حاتم، وكلاهما ثقة.
قال: [فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأنصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق، والقدر خيره وشره من الله عز وجل، وخير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام: أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب عليهم السلام وهم الخلفاء الراشدون المهديون.
وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بالجنة على ما شهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله الحق.
والترحم على جميع أصحاب محمد والكف عما شجر بينهم].
أي: حق وعقيدة.
قال: [وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه] ومعية الله تعالى لهم إنما هي معية سمع وبصر وإحاطة وعلم).
فالله تبارك وتعالى إذا كان معك فإن ذلك لا يتنافى قط مع العلو والفوقية، فإذا قرأت قول الله تبارك وتعالى: {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة:١٩٤]، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤]، فهذه المعية المذكورة في الآية إنما هي معية علم وسمع وبصر وإحاطة، فهذا لا يتنافى مع علو الله عز وجل وارتفاعه وفوقيته، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله خلق السموات والأرض، وجعل بين كل سماء وأخرى مسيرة خمسمائة عام، وجعل فوق السماء السابعة بحراً، وفوق البحر العرش، وفوق العرش الكرسي).
والله تعالى مستوٍ على الكرسي استواءً يليق بجلاله وعظمته.
واستواء الله تبارك وتعالى معلوم لدينا، فالاستواء في لغة العرب لا يعني الاستيلاء، وإنما يعني العلو والفوقية، فإذا قلت أنت: إن فلاناً استوى على سقف البيت، فهذا يعني أنه علا وارتفع على سقف البيت، ومع هذا أنت تقول: إن فلاناً معنا، كما أن القمر في السماء والشمس في السماء، ومع هذا فأنت تقول: الشمس معنا والقمر معنا باعتبار النظر إليه، فأنت لا تنظر إلى الله تبارك وتعالى في حياتك الدنيا، وإنما النظر هذا في الآخرة، والله تبارك وتعالى هو الذي يراك ويرى جميع خلقه، ولا يخفى عليه شيء من أمرهم أبداً، فالغيب والشهادة شهادة لله عز وجل.
قال: [وأن الله عز وجل على عرشه، بائن من خلقه، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله بلا كيف].
يعني كيف استوى؟ لا ندري.
فإذا كنت أنت لا تدري عن ذات الله تبارك وتعالى شيئاً، فأنت لا تدري عن كيفية ذات الله تبارك وتعالى، فكيف يتسنى لك أن تعلم صفاتها، فإذا كنت لا تعلم كيف الذات، فمن باب أولى أن تخفى عليك الصفات، ولا يتصور ذات بلا صفات.
تصور أنك تقول: إن هذا كأس، ولكن لا صفة له.
فهذا لا يتصور؛ لأن هذا الكأس أولاً له اسم وهو الكأس، ومن صفاته أنه برتقالي، وأنه مستدير، وأن له يداً يتحكم فيه من خلالها، فلا يتصور قط أن هناك ذات لا صفة لها، فإذا قلت: إن إبراهيم رجل كريم فكرم إبراهيم محدود، لأنه كرم بشري، وإبراهيم كريم في حدود طاقته واستطاعته.
ولذلك الكرم الذي وصف الله تبارك وتعالى به عباده كرم محدود، أما كرم المولى عز وجل فغير محدود وغير مكيف؛ لأن كرم الله تعالى يتناسب مع ذاته العلية، فإن الله تبارك وتعالى موصوف بكمال الكرم، فليس هناك كرم يضاهيه أو يوازيه، ولذلك نحن لا نخوض في كيفية معرفة صفة الله عز وجل، وإنما نؤمن بها ونمرها كما أمرها السلف، وكما مروا عليها بلا تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل بصفات المخلوقين؛ لأن ذات الخالق تختلف عن ذات المخلوق، فلابد أن صفات الخالق كذلك تختلف عن صفات المخلوق.
قال: [وأنه تبارك وتعالى يرى في الآخرة، يراه أهل الجنة بأبصارهم، ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء].
يعني: أنت عندما تقرأ في أوصاف الجنة تجد أنها من أعظم النعم، وأعظم ما فيها على الإطلاق: النظر إلى وجه الله عز وجل في يوم المزيد الذي هو يوم الجمعة، يتجلى ربنا تبارك وتعالى لخلقه فيرونه.
فتقول: أنا أريد أتصور كيف يتجلى ربنا؟ وما هذه الحجب التي إذا كشفها الله عز وجل رأيناه؟ وتدور بمخيلتك لتصل إلى صورة مرضية ومقنعة لك.
أنت غير مطالب بهذا، بل أنت منهي عن هذا؛ لأنك مهما تصورت فإن الحقيقة أعظم من ذلك، وهو نعيم ليس بعده نعيم.
إذا كان الله تبارك وتعالى والنبي عليه الصلاة والسلام قد بينا أن في الجنة نعيم من ثمارها وطيبها ورائحتها ما لا يمكن أبداً لعين أن تكون قد رأ