قال: [عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل عند المريض وكان في علم الله ألا يموت في مرضه ذلك: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات شفاه الله)].
والشاهد من هذا الحديث: إذا قال الرجل عند مريض في زيارة مرضه: (أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك شفاه الله تعالى) إذا دعا بها سبع مرات، إذا كان في علم الله الأزلي السابق أن هذا المرض ليس هو مرض الموت، ولذلك كانوا يفرقون بين مطلق المرض ومرض الموت، فمطلق المرض يمرض ويشفى، بينما مرض الموت يموت بسببه، فإذا كان لم يسبق في علم الله عز وجل أن هذا الرجل في هذا المرض يشفى من مرضه فإنه يشفى بسبب هذا الدعاء.
وهذا يعني أن الله تعالى علم في الأزل أن هذا العبد لم يمت، ولذلك فإن هذا النص يثبت أن الله تبارك وتعالى لا يزال عالماً منذ الأزل، ولا ينتهي علمه أبداً، لأن العلم صفة ذات للمولى تبارك وتعالى.
وصفة الفعل إذا شاء فعل وإذا شاء لم يفعل، مثل صفة الكلام إذا شاء الله تعالى تكلم، وإذا شاء ألا يتكلم لا يتكلم، بخلاف صفة الذات فإنها لازمة له لا يمكن أن تنفك عنه كصفة اليد مثلاً، فإن الله تعالى أثبت لنفسه اليدين فهو سبحانه وتعالى متصف بهما أزلاً وأبداً.
ومن قال: إذا شاء الله أن يحتفظ بيديه احتفظ بهما، وإذا شاء أن يستغني عنهما استغنى، فهذا سوء أدب مع الله عز وجل، حتى وإن كان ذلك على سبيل المثال.
فهنا نقول: إن صفة العلم صفة لازمة لله عز وجل، ليست صفة فعل، لأننا لو قلنا إنها صفة فعل، لجاز لنا أن نقول: إذا شاء علم وإذا شاء جهل، والجهل منتف عنه تعالى، فلابد أن يثبت له العلم أولاً وآخراً، فهنا نقول: الله تبارك وتعالى علم أزلاً أن هذا العبد سيموت في هذا المرض أو لا يموت، فإذا كان الله تعالى علم أنه لا يموت في هذا المرض شفاه بسبب هذا الدعاء، وإذا كان علم أزلاً أنه سيموت في هذا المرض، وأنه قدر عليه المرض وكتبه ويموت بسببه، فإن الناس أجمعين لو اجتمعوا على أن يدعوا لهذا المريض لا ينفعه ذلك، ولو أتوا بأصلح من في الأرض وأتقى من في الأرض لا ينفع ذلك الدعاء؛ لأن الله تعالى كتب أزلاً أنه سيموت بهذا المرض، حتى ولو جمع الله الأنبياء والمرسلين يدعون لعبد من عباده بالشفاء، ولكن الله كتب له ألا يشفى من هذا المرض بل يموت فيه لا تقبل دعوات الأنبياء والمرسلين، ولكنه من باب الدعوات وطلب الخير فقط، ولا يلزم أن يشفى منه بسبب دعاء المرسلين، فكم دعا النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه في مرض موتهم، ولكن الله تعالى كتب أزلاً أنهم سيموتون في هذا المرض، فكتب لهم الأجر بسبب دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يملك لهم السلامة والشفاء من هذا المرض.