[ما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن القول بموجبه والإيمان به وإن لم يفهم معناه]
القاعدة الثامنة: ما جاء في الكتاب أو السنة وجب على كل مؤمن القول بموجبه والإيمان به، وإن لم يفهم معناه.
يعني: على فرض أنه خفي عليه معنى صفة، فلابد وأن يؤمن بها كما جاءت وكما قرأها، ويثبتها لله على الحقيقة وإن كان المعنى قد خفي عليه.
فمثلاً: عدم العلم بمعنى الأسماء الثابتة كالودود أو الحنان أو القيوم، أو الصبور لا ينفي عنك لزوم العلم والإيمان بها، فلابد وأن تؤمن بأسماء الله وصفاته، وإن خفي عليك بعضها أو كلها.
وصفات الله عز وجل لا يقاس عليها، فلا يقاس مثلاً السخاء على الجود، إذا كانت صفة الجود ثابتة لله عز وجل فلا أقول: الله تعالى سخي، وإن كان المعنى جميلاً، لأن باب الصفات توقيفي، فلا يصح في صفات الله الاجتهاد والقياس.
والقياس إلحاق فرع بأصل، والذي يلحق الفرع بالأصل هم أهل العلم، فإذا كان المقيس والمقيس عليه متساويين في الدليل ومتحدين في العلة ألحقوا الفرع بالأصل، فإذا كان الأصل حراماً فالفرع حرام، وإذا كان الأصل حلالاً فالفرع حلال، فمثلاً: الله عز وجل حرم الخمر صراحة وهذا المقيس عليه، وهو الأصل والحشيش فرع، فهو حرام قياساً على الخمر؛ لأن أدلة الشرع في الأحكام وفضائل الأعمال: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس.
فالحشيش حرام؛ لأنه متحد مع الخمر في العلة وهي ذهاب العقل والإسكار، وهذه العلة التي لأجلها حرم الله الخمر صراحة فألحقنا به الحشيش.
والله تبارك وتعالى قد ثبت في صفاته أنه جواد، فلا أستطيع أن أقول: إنه سخي، مع أن السخاء هو الجود؛ لأن صفات الله لا يصح فيها الاجتهاد ولا القياس؛ لأنها توقيفية.
وكذلك في بقية المعاني التي تدل على الجود إلا إذا كانت ثابتة، فالكرم كذلك من الجود، وباب من أبوابه، وشبيه ومثيل له، لكنه قد ورد في نصوص أخرى أنه كريم.
والله تبارك وتعالى هو القوي، فهو قوي بقوة؛ فالصفات تؤخذ وتشتق من الأسماء.
إذاً: لفظ القوة ثابت لله عز وجل.
والجلد الذي هو تحمل المشاق والصعاب والقوة، لا يصح إثباته لله عز وجل في مقام القوة، أو قياساً عليها؛ لأن باب الصفات لا يقاس عليه؛ لأن الصفات توقيفية.
ولفظ (القدير) ثابت لله، وهو قدير بقدرة.
إذاً: الله تبارك وتعالى متصف بالقدرة، فلا يمكن أن أثبت لله عز وجل صفة الاستطاعة؛ لأنها لم تثبت في الكتاب ولم يثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام في السنة، إنما الصفة التي وردت تغني عن هذه الصفة وهي صفة القدرة.
وصفة الرحمة ثابتة لله عز وجل، ومن معانيها: الرأفة والرقة، فممكن أن أثبت الرأفة؛ لأنها مشتقة من الرءوف، بخلاف الرقة وإن كانت مثل الرحمة، فلهذا يقال: فلان رقيق القلب.
يعني: رحيم.
وباب القياس في حق المخلوقين في الصفات حدث عنه ولا حرج، لكن في حق المولى تبارك وتعالى لا يجوز أن أقول: إن الله رقيق؛ مع أن الرقة بمعنى الرأفة والرحمة وغير ذلك.
وكذلك (العلم) فالله تبارك وتعالى عليم بعلم؛ فعليم اسم وبعلم صفة، والمعرفة من معاني العلم، فلا يجوز أن أثبت صفة المعرفة لله عز وجل؛ لأن صفات الله عز وجل لا يتجاوز فيها التوقيف، فلا نذهب فيها أكثر مما ورد إلينا، كما مر في القواعد السابقة.