[حديث: (سيكون في أمتي قوم يكفرون بالله)]
قال: [عن عطاء بن أبي رباح: كنت عند سعيد بن المسيب جالساً فذكروا رجالاً يقولون: إن الله قدر كل شيء ما خلا الأعمال].
أي: أن كل شيء من قدر الله إلا الأعمال.
وتصور حينما يسمع البخاري عليه رحمة الله شيئاً كهذا، فينتفض وينبري قلمه للرد على من اعتقد ذلك بتأليف كتاب كامل مسند اسمه: (خلق أفعال العباد)؛ ليرد على هؤلاء الذين يقولون: إن الله عز وجل قدر كل شيء إلا الأعمال.
قال عطاء: [فوالله ما رأيت سعيداً غضب غضباً أشد منه حتى هم بالقيام.
فقال: ثم سكت.
ثم قال: تكلموا به؟ أما والله لقد سمعت فيهم حديثاً كفاهم به شراً، ويحهم لو يعلمون! قال: قلت: رحمك الله وما هو؟ قال: حدثني رافع بن خديج أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون في أمتي قوم يكفرون بالله وبالقرآن وهم لا يشعرون)].
إذاً: فالذي يُنكر القدر ولو في جزئية من جزئياته فإن حكمه أنه كذب الله، وكفر بالله، وكفر بكلام الله عز وجل، وهو القرآن والسنة.
[قال: قلت: (يقولون ماذا يا رسول الله؟)].
أي: ما هو سبب كفرهم هذا؟ [(قال: يقولون الخير من الله، والشر من إبليس)].
وفي هذا الزمان الكثير من الناس يقولون هذا، والقدرية يقولون هذا، بل هم أصل هذا البلاء، [(يقولون: الخير من الله، والشر من إبليس، ويقرءون على ذلك كتاب الله، ويكفرون بالله وبالقرآن بعد الإيمان والمعرفة، فما تلقى أمتي منهم من العداوة والبغضاء، ثم يكون المسخ فيهم عاماً، أولئك قردة وخنازير، ثم يكون الخسف قل من ينجو منهم)]، أي: أن المسخ والخسف قائم في الأمة، وهذا من علامات الساعة، والمسخ أن يُمسخ البشر قردة وخنازير على الحقيقة، وهذا مذهب من المذاهب، وأن الإنسان يتحول إلى خنزير أو يتحول إلى قرد، وذلك كعقوبة من الله عز وجل لا أن أصل الإنسان قرد، وإنما يتحول بعد أن يخلقه الله تعالى آدمياً مكرماً معززاً، فيعيش في وحل المعاصي، فالله تبارك وتعالى يعاقبه بأنه يجعله قرداً أو خنزيراً.
وإذا كان هذا المسخ على الحقيقة -وهو مذهب كثير من أهل العلم- فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: صعدت جداراً قد مسخ الله تبارك وتعالى أهل هذا الجدار بسبب معاصيهم، فلما نزلت على سلم أقبلوا إلي، إذ إنهم يعرفونني ولا أعرفهم.
لأنهم خنازير وقردة.
ولذلك فهذا مذهب كثير من أهل العلم أن المسخ حصل على الحقيقة في صدر هذه الأمة، والسند إليه فيه نزاع، والراجح أنه حسن، ذكره الحافظ ابن كثير، وذكر كلاماً كثيراً جداً وعظيماً حول تفسير المسخ.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يسبق أحدكم الإمام فإن من سبق إمامه حول الله رأسه رأس حمار، وصورته صورة حمار).
والحديث في صحيح البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي: وما المانع أن يحول الله تعالى رأسه رأس حمار على الحقيقة، فيكون بدنه بدن آدمي ورأسه رأس حمار؛ لأن العقوبة وقعت على الرأس دون غيره كما في الحديث، ولأن أول ما يتحرك من المأموم رأسه، وهو الذي يفكر به، فالله تبارك وتعالى يمسخه ويجعله في صورة حمار على الحقيقة.
قال: وربما قصد بذلك مسخه من جهة الفكر والحس، فيكون بليداً كالحمار.
ولو كانت القضية هكذا لامتسخت معظم الأمة والله العظيم، فهو لا يمكن أن يكون هذا دين الله عز وجل الذي نحياه الآن، وهذه حياة المسلمين تعج ليلاً ونهاراً بالمعاصي، فهل هذه الحالة الآن يرضاها الله عز وجل أم هي دينه، أو ربع دينه؟ لا يمكن، بل ولا جزء من مليون جزء من دين الإسلام الذي نحن عليه الآن.
إذاً هذه الأمة ممسوخة، وامش مع واحد تجده يمشي مع امرأته على اليمين وبناته على الشمال عاريات كما لو كانوا يمشون في شوارع نيويورك وأمثالها، ويتبجح ويتحامق ويقول إنه مسلم، أو أنه موحد.
وآخر يفرغ من صلاة الجماعة ثم يجد امرأته تنتظره في السيارة عريانة! ألم تكن قبل قليل تعبد الله عز وجل؟ إن الذي أمرك أن تعبده أمرك أيضاً أن تستر امرأتك.
فيقول لك: أنا حر في امرأتي! فلها أن تمشي عريانة، فالذي أمرك بالصلاة هو الذي يأمرها أن تأمر امرأتك بالحجاب والنقاب، ثم يقول لك: لا تأتي بسيرة امرأتي فهي شريفة! إلى غير ذلك من حماقة وجهل وقلة أدب وسفالة.
وعندما تأتي لمناقشته في عقيدته تجده زبالة القوم وحثالة القوم، فتجده لا يقع إلا على كل ساقطة ولاقطة، فهذا واحد يقول: ليس هناك شفاعة في الإسلام، فيوافقه آخر فيقول: هذا كلام منطقي.
وآخر يقول: ليس هناك عذاب قبر، فيوافقه آخر أيضاً فيقول: صحيح.
وهل هناك عذاب في الدنيا وفي الآخرة؟! وآخر يقول: لا وجود للملائكة، فنحن لا نؤمن بالملائكة إلا بملك نراه.
فيقول: صحيح.
وما هي الحكمة من إخفاء الله عز وجل لملائكته؟! فتصور أن هذه هي حال المسلمين! وقل أن تجد رجلاً في الأمة كما أراد الله عز وجل وخاص