قال: [وعن أنس رضي الله عنه قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)].
إذاً: ما دام النبي عليه الصلاة والسلام علق هذه الشعبة بالإيمان فهي من الإيمان، فحبي للأنصار علامة على إيماني، وبغضي للأنصار علامة على نفاقي.
وهذا الحديث فيه فضيلة للأنصار وأبنائهم إلى قيام الساعة، وإن كان لفظ الأنصار عند الإطلاق يطلق على من ناصر النبي عليه الصلاة والسلام من أهل المدينة خاصة، مع أنه قد نصره من هم من غير أهل المدينة، فالمهاجرون لما هاجروا من مكة إلى المدينة أليس هذا نصرة للنبي عليه الصلاة والسلام ولدين الإسلام؟ وغيرهم من القبائل والبلاد المجاورة للمدينة، بل أهل الحبشة الذين ناصروا النبي عليه الصلاة والسلام، وغير أهل هذه البلدان قد ناصروا النبي عليه الصلاة والسلام.
فكلهم أنصار، وكلهم قد تحققت فيهم النصرة والمؤازرة والتعزير والتوقير للنبي عليه الصلاة والسلام، لكن لفظ الأنصار عند الإطلاق يطلق على أهل المدينة ممن صحب النبي عليه الصلاة والسلام.
أما عند إرادة إطلاق اللفظ فيطلق على الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار إلى آخر الزمان، فبغض الأنصار لأجل النصرة علامة على النفاق، حتى لا يتحرج الإنسان الآن أنه يدخل المدينة فيجد رجلاً مثلاً من أهل المدينة لكنه من أهل المعصية ليس من أهل الطاعة، أي: أنه رجل مثلاً يزني ويسرق ويشرب الخمر وغير ذلك، فهذا لا يحب وإن كان من الأنصار، فقوله عليه الصلاة والسلام:(آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) أي: علامة الإيمان أن تحب الأنصار لكونهم ناصروا النبي عليه الصلاة والسلام، وعلامة النفاق أن تبغض الأنصار لأنهم ناصروا النبي عليه الصلاة والسلام، فإثبات الإيمان ونفيه متعلق بحب الأنصار وبغضهم لأجل النصرة.
فحينما نذكر مثلاً سعد بن معاذ نقول: رضي الله عنه، لقد ناصر النبي عليه الصلاة والسلام، ونحب أبناءه وأبناء أبنائه الذين هم على الطاعة؛ لأنهم ناصروا النبي عليه الصلاة والسلام، وناصروا الله عز وجل.
أما أن يأتيني رجل مثلاً من الأنصار، لكنه يعيث في الأرض فساداً فأنا أبغضه، لا أبغضه لأن آباءه ناصروا النبي عليه الصلاة والسلام، لكني أبغضه لأنه يعصي الله، فهذا أيضاً من الإيمان، لقوله عليه الصلاة والسلام:(إن أوثق عرى الإيمان أن تحب لله وأن تبغض لله) يدخل في هذا المهاجرون والأنصار.
لو أن مهاجراً ممن هاجر من مكة إلى المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام عن الإيمان إلى الكفر فلا نحبه؛ فهجرته نسخت بردته؛ لأن الردة تمحو ما كان قبلها من خير، كما أن الإيمان يمحو ما كان قبله من شر.