[ما روي في تفسير قوله تعالى:(يحول بين المرء وقلبه)]
وفي قوله تعالى:{يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}[الأنفال:٢٤].
[قال سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية: يحول بين المرء والكفر، حتى لو أراد المرء أن يكون كافراً، وأن يخرج من الإيمان لا يستطيع إلا أن يكون ذلك مأذوناً فيه، مقدراً عليه أزلاً.
فمسألة أن يختار الواحد منا الإيمان أو يختار الكفر مسألة كلها بيد الله عز وجل، وهذا الكلام يخوف جداً ويرعب، لأن المرء ربما يعمل عملاً صالحاً ولكن يُختم له بعمل أهل النار، فيكون من أهلها، وربما يكون العكس، ففائدة الإيمان بالقدر في هذه المسألة بالذات أن المرء يتعلق قلبه في الليل والنهار بخالقه وبارئه أن يثبته على الإيمان.
ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أفضل الخلق على الإطلاق-: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك) مع أن المتصور في حقه عليه الصلاة والسلام أنه لم يأت بمعصية أو بكبيرة من الكبائر فضلاً أن يتحول في إيمانه، أو يتحول قلبه، ومع هذا كان دائماً معلقاً بالله عز وجل أن يثبته على الإيمان، وأن يصرف قلبه دائماً إلى طاعته سبحانه وتعالى.
فالحيلولة بين المرء وبين قلبه يملكها الله عز وجل، فربما يفعل المرء طاعة ثم يعقبها بمعصية، والعكس بالعكس.
[قال ابن عباس: يحول بين المرء والكفر ومعاصي الله، ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله].
وفرعون عليه لعنة الله حينما غرق في البحر قال:{قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ}[يونس:٩٠]، فمنعه كبره أن يقول: آمنت بالله، أو آمنت برب موسى وهارون، أو أن ينطق بلفظ الرب؛ لأنه يعتقد في قلبه أنه هو الرب وهو الإله، فحرمه الله عز وجل من إطلاق هذا اللفظ أو من النطق به.
ولذلك ورد في الحديث الصحيح أن جبريل عليه السلام كان يضع الطين في فم فرعون؛ حتى لا ينطق بكلمة التوحيد، والذي أمر جبريل بذلك هو الله عز وجل، وهذا أمر رهيب جداً تفزع منه القلوب، وكذلك بالإمكان أن يكون هذا المصير مآل كل مخلوق على وجه الأرض، سواء كان مؤمناً أو كافراً، فإذا كان الأمر كذلك، وأن الخير والشر بيد الله عز وجل؛ فهذا أمر يستدعي من المرء أن يكون دائماً على صلة واتصال بالله عز وجل في الليل والنهار.