[شرح حديث زيد: (إن هذه الآمة لتبتلى في قبورها)]
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: [(بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له -الحائط هو البستان أو المزرعة أو الجنينة- فحادت به فكادت تقلبه)] حادت أي: ماجت به وأسرعت تعدو هنا وهناك بغير هدف كأنها نفرت نفرة عظيمة جداً كادت أن تقلب النبي صلى الله عليه وسلم من على ظهرها.
[(وإذا قبر ستة أو خمسة أو أربعة -يعني: كان في هذا البستان أو في هذا الحائط قبر فيه أربعة أو خمسة أو ستة- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن هذه الأمة -أي: الأمة الإسلامية- لتبتلى في قبورها -والابتلاء هو الاختبار والامتحان.
يعني: هذه الأمة تبتلى وتختبر في قبرها- فلولا ألا تدافنوا دعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه)].
يعني: يريد أن يقول: هذه القبور التي تنظرون إليها ملئت نعيماً وعذاباً، أما من تنعم فيها فإنه لا يصيح أو يبكي أو غير ذلك، وأما من يعذب فشأنه أن يصيح وأن يبكي وأن يندم ويتحسر على ذلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام يسمع هذه الأصوات بدليل: أنه سمع أصوات اليهود وهم يعذبون في قبورهم.
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر في الصحيحين: (لما مر على قبرين قال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) وسيأتي الحديث معنا بإذن الله.
فالنبي عليه الصلاة والسلام أعطاه الله تعالى من القدرة والثبات ما يمكن أن يسمع به العذاب في القبر، والنبي أخبر أن الخلق لا يقدرون على سماع هذا العذاب، ولو أنهم سمعوا العذاب لا يتدافنون قط، لو أن واحداً منهم مات ألقوه على المزابل لا يدفنونه، فلما كان الدفن حق واجب على الأحياء -وهو فرض كفاية وكذلك الصلاة على الميت وغير ذلك من أعمال الميت -حجب الله عز وجل عنهم عذاب المعذبين؛ لأنك لو دخلت قبراً أو مقبرة فسمعت العذاب والبكاء والصياح والعويل والصراخ فلا يمكن قط أن تذهب إلى المقابر ولو أن أباك هو الذي مات أو أمك أو ولدك؛ لأن الهول شديد والعذاب أليم، ولا يمكن للمرء أن يتحمل سماع هذا العذاب، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: [(فلولا ألا تدافنوا دعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمعه منه)] يعني: لولا مخافة النبي عليه الصلاة والسلام أننا نهمل في دفن الأموات مخافة أن نسمع أصوات المعذبين لدعا الله تعالى أن يسمعنا أصوات المعذبين.
[ثم قال: (تعوذوا بالله من عذاب القبر.
قلنا: نعوذ بالله من عذاب القبر.
قال: تعوذوا بالله من الفتن.
قلنا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قال: تعوذوا بالله من الدجال.
قلنا: نعوذ بالله من الدجال) أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة].
فحينئذ يجب على المرء أن يتعوذ بالله من كل شر خاصة عذاب القبر والفتن ما ظهر منها وما بطن، والمسيح الدجال، بل كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ من هذه في دبر كل صلاة قبل أن يسلم، فإذا فرغ من التشهد قال: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) أو قال: (ومن شر فتنة المسيح الدجال).
وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من نبي إلا حذر أمته الدجال)، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وما بين يدي الساعة فتنة شر من فتنة الدجال)، والدجال تكلمنا عنه مراراً.