[إثبات التابعين لنزول الرب سبحانه على الوجه الذي يليق به سبحانه]
ومن التابعين عطاء بن يسار وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب القرظي: [عن عطاء بن يسار: ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل منها -يعني: ليلة النصف من شعبان- ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيغفر لكل عبد إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم].
قال: [عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: كان عطاء إذا ذكر عنده ليلة النصف من شعبان وما يقال فيها فيقول: إني لأرجو أن يكون ذلك في كل ليلة].
أي: أن يغفر الله عز وجل للعباد في كل ليلة؛ وذلك لأنه يؤمن أن الله تعالى ينزل في الثلث الأخير من كل ليلة، فليلة النصف من شعبان كبقية الليالي.
فـ عطاء كان يرجو أن يغفر الله عز وجل لكل أحد في كل ليلة.
وهذا ثابت كذلك عن عمر ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم.
قال مكحول الشامي: [يطلع الله تبارك وتعالى على خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويتوب على التائبين، ويدع أهل الحقد بحقدهم، فيغفر إلا لمشرك أو مشاحن].
وقال الفضيل بن فضالة: [إن الله يهبط إلى سماء الدنيا -يهبط بمعنى: ينزل- ليلة النصف من شعبان، فيعطي رغاباً، ويفك رقاباً، ويفخم عقاباً].
وهو دليل على المغفرة.
وذكر أحمد بن علي الأبار أن عبد الله بن طاهر - وهو أمير خراسان - قال لـ إسحاق بن راهويه: يا أبا يعقوب! ما هذه الأحاديث التي تحدثون بها، إن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ أهو ينزل ويصعد؟ فقال له إسحاق: تقول: إن الله يقدر على أن ينزل ويصعد ولا يتحرك؟ قال: نعم.
قال: فلم تنكر إذاً؟ يعني: هل أنت تعتقد أن الله تبارك وتعالى قادر على أن ينزل وأن يصعد دون أن يتحرك، وأنه مستو على العرش؟ قال: نعم.
لأنه يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى، فنزولي أنا يحتاج إلى انتقال وحركة، لكن لا يلزم من نزول الله عز وجل إذا أراد أن ينزل وأن يصعد أن يخلو منه العرش ولا أن يتحرك ولا أن ينتقل، بل هو مستو على عرشه كذلك.
فقال: أتقول: إن الله تعالى قادر على ذلك؟ قال: نعم.
قال: فلم تنكر إذاً أنه ينزل؟ كلام جميل! كلام أهل العلم، إذ إن القضية كلها أن تصدق أن القياس بينك وبين الخالق قياس مع الفارق، قياس غير صحيح ألبتة لا في الذات ولا في الأسماء ولا في الصفات ولا في الأفعال.
وقد سبق أن بينا القاعدة الأولى: وهي وحدانية الله تبارك وتعالى.
أي: واحد في ذاته، ولا يمكن أبداً لأي ذات من الذوات أن تشبه ذات الإله، ولا الأسماء ولا الصفات ولا الأفعال، فأنا لما أنزل هذا فعل، وربنا ينزل أيضاً فهذا كذلك فعل، لكن فعلي له مثيل فنزول محمد كنزول زيد، لكن ليس نزوله كنزول الله عز وجل؛ لأنه سبحانه واحد في أفعاله، ونزوله من أفعاله.
إذاً: نزوله سبحانه نزول تفرد، فلا يمكن أبداً أن يشبه نزول أحد من خلقه، فلا بد أن أؤمن بوحدانية الله عز وجل في أفعاله.
إن الجهمي يقول: أحاديث النزول غير صحيحة، بل هي كاذبة وباطلة، ولا يوجد شيء اسمه نزول وصعود؛ لذلك قال: [قال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب ينزل ويصعد فقل: وأنا أومن برب يفعل ما يشاء].
فيا له من كلام جميل! لا تتكلف التأويل والأخذ والرد، وإقامة الحجة عليه، فهؤلاء مجرمون، لا يسلمون لك بحجة، ولو أثبت الصفة من السنة قال لك: لا.
لا بد من القرآن، وهو قبل قليل أنكر صفة كان دليلها القرآن.
فهو لا يمكن أن يثبت معك على حال قط، وهو ليس محتاجاً إلى بينة أو دليل، إنما الذي دعاه إلى الإنكار هو كفره وجحوده بالله عز وجل، وقياسه الفاسد بين الخالق والمخلوق، وأنه لا يفهم من صفات الخالق إلا ما يقيسه هو من صفات الخالق على صفات ذاته.
قال يحيى بن معين: [إذا سمعت الجهمي يقول: أنا كفرت برب ينزل.
فقل: أنا أومن برب يفعل ما يريد].
وقال حنبل بن إسحاق -ابن أخي أحمد بن حنبل -: [سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا) فقال أبو عبد الله: نؤمن بها، ونصدق بها، ولا نرد شيئاً منها إذا كانت أسانيد صحاحاً، ولا نرد على رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق.
حتى قلت لـ أبي عبد الله: ينزل الله إلى سماء الدنيا؟ قال: نعم.
قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟ فقال لي: اسكت عن هذا].
يعني: لا تخض في ذلك، أثبت لله ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم دون خوض، وآمن به كما جاء وصدق به كما جاء، ولا ترد شيئاً مما صح في أخباره وصفاته وأفعاله، على الوجه اللائق.
قال: [فقال: اسكت عن هذا، مالك ولهذا؟ أمض الحديث على ما روي بلا كيف ولا حد، إنما جاءت به الآثار وبما جاء به الكتاب قال الله عز وجل: {