ومنها المنصورية: وهم أصحاب أبي منصور العجلي، وقد انتسب إلى أبي جعفر محمد الباقر، فلما تبرأ منه وطرده ادعى الإمامة لنفسه، وهؤلاء -أي: المنصورية- يقولون: إن الإمامة صارت لـ محمد بن علي بن الحسين، ثم انتقلت منه إلى أبي منصور.
واعلم أن كل واحد من أصحاب هذه الفرق أو مؤسسوها ساروا على هذه الطريقة، فكان الواحد منهم يدعي أن روح الله تعالى انتقلت إليه بعدما انتقلت إلى آدم، ثم شيث، ثم الأنبياء، ثم الأئمة، ثم إليه.
وهذا الكلام موجود في أئمة الصوفية، فتجد الواحد منهم جالساً مثل العجل، لا صلاة ولا صوم ولا حتى اغتسال من الجنابة، ويدعي أن روح الله حلت فيه.
ونحن نعلم أن السيد البدوي سمي السطوحي لأنه مكث على سطح بيته أربعين يوماً لا يغتسل ولا يتوضأ، ولا يصلي ولا يغتسل من الجنابة، فقيل لـ عبد العال الذي هو الذراع اليمين للسيد البدوي: فكيف كان يقضي حاجته؟ قال: كان يقضي حاجته بكيت وكيت، وإذا احتاج لحك ظهره حكه بمزراة يدخلها من ياقته، وهذه المزراة معروفة عند الفلاحين، ولها خمس أصابع، يقلبون بها الرز والقمح وغير ذلك وقت درسه، وذلك مما على ظهره من نتن ووسخ، ومع هذا النتن كان يزعم أن روح الإله قد حلت فيه، وأنه يعلم الغيب، وأنه الوتد الوحيد، والصوفية يقولون: العالم محفوظ في كل زمان بأربعة أوتاد، ولما علم السيد البدوي بهذا الأمر قال: لا، أنا الوتد الوحيد في زماني، وليس هناك أوتاد أخرى، ومعنى وتد: أي: أنه يحفظ الكون، فأين الحافظ سبحانه وتعالى؟ وما كانت يا ترى مهمته في زمن السيد البدوي؟ وزعمت المنصورية أن منصور هذا عرج إلى السماء، مثل النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح الله على رأسه بيده، وعلى ذلك فهو أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا لم يثبت للنبي عليه الصلاة والسلام، يعني: أبا منصور العجلي عرج إلى السماء مثل النبي عليه الصلاة والسلام، فعلى ذلك وازى أبو منصور وضاهى النبي عليه الصلاة والسلام، ثم زاد على نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الله تعالى مسح على رأسه بيده، وكذلك كلمه الله وقال له: يا بني! اذهب فبلغ عني، ولا ندرى هل كان أبو منصور هذا الابن البكر أم الوسط أم الأصغر، والله تعالى لم يلد ولم يولد، فكيف يقول الرب تبارك وتعالى لأحد خلقه: يا بني! اذهب فبلغ عني؟ وسورة الإخلاص ماذا نعمل بها؟ وآيات التوحيد ماذا نعمل بها؟ قال: ثم أنزله إلى الأرض -فمن المعراج نزل على رقبته إلى الأرض- وهو الكسف المذكور في قوله تعالى:{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ}[الطور:٤٤].
ويقولون: الرسالة لا تنقطع أبداً، يعني: إذا هلك محمد أتى بعده رسول، ثم إذا هلك أتى بعده رسول، حتى يكون الرسول هو أبو منصور العجلي.
ويقولون: والجنة رجل أمرنا أن نواليه ولا نعاديه، وهو الإمام أبو منصور، والنار رجل أمرنا بمعاداته وهو ضد الإمام وخصمه كـ أبي بكر وعمر، وكذا الفرائض والمحرمات، فإن الفرائض أسماء رجال أمرنا بموالاتهم، والمحرمات أسماء رجال أمرنا بمعاداتهم.
ومقصودهم بذلك: أن من ظفر برجل منهم فقد ارتفع عنه التكليف والخطاب؛ لوصوله إلى الجنة.