قال: [عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اشهدوا)] أي: انظروا وعاينوا انشقاق القمر فإنه لم ينشق إلا بعد أن أمرته، أو لم ينشق إلا بعد أن طلبت انشقاقه من ربي، فهي معجزة ساقها الله تعالى إليه لم تكن لنبي قبله، وهذا الحديث كذلك أخرجه الشيخان.
[وعن عبد الله قال:(انشق القمر على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام شقة فوق الجبل، وشقة يسترها الجبل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اشهد)]، أي: اشهد يا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[وعنه قال:(انشق القمر على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال القوم: هذا سحر سحركموه ابن أبي كبشة فسلوا السفار)] يعني: المسافرين الذين يأتون من خارج مكة؛ لأن أهل مكة المعاندين أتوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا: يا محمد! إذا كنت صادقاً فيما تقول فأرنا آية مثلما صنع الأنبياء من قبلك، فقد كانوا يأتون بآيات يعجز عنها الخلق، قال: بأي آية؟ قالوا: اطلب من ربك أن يشق القمر فلقتين، وهذا ليس أمامه على الأرض ليتصرف فيه كما يريد، هذا شيء في السماء لا يمكن له أن يبلغه، وكأنهم اختاروا ذلك تعجيزاً له، فقال: إذا نشق آمنتم؟ قالوا: نعم، فلما طلب من ربه أن يفلق له القمر فلقتين وفعل، قالوا: هذا سحر مبين! ثم قال أنصفهم: اسألوا المسافرين إن كانوا رأوا ذلك، واختاروا المسافرين؛ لأن القمر واحد لأهل الحضر وأهل السفر، فإذا كان القمر انشق، ففعلاً سيراه المسافرون، فسلوهم إذا قدموا، فإن كان مثل ما رأيتم فقد صدق، وإلا فهو سحر سحركموه ابن أبي كبشة، فلما قدموا السفار وسألوهم، قالوا: نعم.
قد رأيناه انشق.
[وعن أنس قال:(انشق القمر على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام) أخرجه البخاري ومسلم.
ولفظ أبي داود:(انشق القمر على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام فلقتين أو فرقتين).
أما رواية ابن عباس فقال:(إن القمر انشق على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنه بلغني أنه كانت فلقة على البيت، وفلقة على أبي قبيس)] فلقة من القمر على البيت يراها من كان في البيت فوق البيت، والبيت هو البيت الحرام، وأبو قبيس اسم جبل في منى.
[وعن جبير بن محمد بن الزبير عن أبيه عن جده أنه قال: في قول الله عز وجل: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١] قال: انشق ونحن بمكة]، وهذا كان في أول بعثته عليه الصلاة والسلام.
بعض الناس يزعم أن القمر انشق مرتين، والصواب أن القمر انشق مرة واحدة، وهي هذه الذي نذكرها، وقد كانت على يد النبي عليه الصلاة والسلام، وهي معجزة من معجزاته التي أتى بها، ومن قال: إنه انشق مرتين إنما تصحف عليه لفظ فلقتين، أو فرقتين، فقرأها مرتين، والصواب أن القمر لم ينشق إلا مرة واحدة، فلقة فوق البيت، والأخرى فوق جبل أبي قبيس.