[زيادة الإيمان ونقصانه عند الصحابة]
أما قانون الصحابة في شعب وخصال الإيمان وإثبات أن الإيمان يزيد وينقص، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: [هلموا نزدد إيماناً، فيذكرون الله عز وجل]، يعني: يا معشر الصحابة! هلموا نجتمع فنذكر الله تعالى حتى نزداد بهذا الذكر إيماناً بالله، إذاً: الذكر سبب لزيادة الإيمان، لكن يكون الذكر على الطريقة السلفية، ليس على الطريقة الصوفية.
قال: [وفي حديث علي: إن الإيمان يبدأ لمظة في القلب]، يعني: نَكتة مثل النقطة، فاللمظة في اللغة هي النَكتة.
قال: [كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة]، يعني: القلب تنكت فيه نكتة إيمان، ثم مع العمل تزداد هذه النكتة أو هذه اللمظة إيماناً، حتى يمتلئ القلب كله إيماناً، يعني: الإيمان بسبب ترك الأعمال يظل في نقصان، حتى لا يبقى منه في القلب شيء، ومع العمل واستمراره يزيد الإيمان حتى يطفح عن القلب ويسيل، فيكون في اللحم والدم والعظم والأحشاء وغيرها، فيمتلئ المرء كله إيماناً؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام رأى رؤيا في المنام، أن الناس يلبسون أثواباً فمنهم من بلغ ثوبه إلى ثديه، ومنهم من بلغ إلى سرته، ومنهم من بلغ إلى حقوه، ورأى عمر يجر ثوبه، يعني: رأى عمر مسبلاً ثوبه، فهذه رؤيا في المنام لا تفيد جواز الإسبال؛ ولذلك قال الصحابة: (فما أولتها يا رسول الله! قال: بالدين) وهذه رواية البخاري، والدين هو عبارة عن الإيمان والإحسان والإسلام، كما في حديث جبريل عليه السلام.
فـ عمر رضي الله عنه قد بلغ في الديانة والإيمان والإسلام مبلغاً عظيماً حتى فاض عنه، فالإيمان في القلب يكون مثل ما لو أتيت بقدر مثلاً أو إناء من الأواني، فامتلأ بالماء حتى تسرب من الإناء.
قال: [وعن علي قال: الطهور نصف الإيمان]، وهو الوضوء، وفي الحديث: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) وهذا يدل على أن الوضوء شعبة من شعب الإيمان، فمع كل وضوء تزداد إيماناً، ويا حبذا لو أتيت بعد كل وضوء بركعتين.
قال: [وعن عبد الله بن عكيم قال: سمعت ابن مسعود في دعائه يقول: اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً]، وهذا يدل على أن الإيمان يزيد، اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً.
قال: [وعنه قال: ينتهي الإيمان إلى الورع]، يعني: أعظم درجات الإيمان في الورع، والورع أنواع، وأعظم الورع ترك المباح، لكن من كان صدراً في الناس يشار إليه بالبنان أنت لو رأيت واحداً من عامة الناس يجري وراء الحافلة ويستمر يجري على أمل أن يدرك الحافلة ستقول: ما شاء الله، هذا الرجل عنده عزيمة وإصرار، الحافلة ذهبت ومع هذا هو مصر على أنه يدركها، فأنت تنظر إلى هذا الفعل من عامة الناس على أنه عمل جيد، ودليل على الفتوة وعلى قوة العزيمة والإصرار على إدراك المصلحة.
لكن لو وجدت شيخاً قد ألقى محاضرة ثم هو يجري وراء الحافلة، فهذا العمل لا يليق بالرجل هذا، ستقول: كيف تجري وراء الحافلة وأنت شيخ وعالم؟ لماذا لا تركب تكسياً بجنيه؟ أما غير العالم فبالنسبة له هذا عمل مباح.
مثل بعض الناس الذين يسبون الدين، فهم يقولون: الشيخ لا يسب الدين، فإن دين الشيخ غير ديننا، فهذا عيب على الشيخ، لا يصح منه ذلك.
كذلك مثلاً عندما يدخل السينما، فإن أول شخص سينكر عليه هو الذي يقطع التذكرة، وصاحب السينما نفسه ممكن يعترض ويقول: أنت شيخ لا تدخل، وهذا عيب لا يصح، أما أنا فهذه تجارتي، وهذا عملي، إنما منك فهذا عيب لا يصح، هذا لا يستقيم مع أخلاقك ولا دينك، ومعنى هذا أن الناس تعرف منهجك، وتعرف الحلال والحرام، إنما الأمر من باب وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
فهنا ينبغي للشيخ أو لطلاب العلم أن يتورعوا عن بعض أو كثير من المباح، وهذا أعلى درجات الورع.
قال: [ومن خير الدين -أي: ومن أعظم الدين- ألا تزال تالياً باكياً]، يعني: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل وأنت باك، وهذا من أعظم شعب الإيمان.
قال: [من ذكر الله ومن رضي بما أنزل الله من السماء أدخله الله الجنة إن شاء، ومن أراد الجنة لا شك فيها فلا يخاف في الله لومة لائم]، من أراد الجنة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فلا يخشى في الله لومة لائم؛ لأن أعظم ما يمكن أن يحققه من لوم اللائمين القتل.
بمعنى: لو أراد أحد أن ينكر عليك وأنت تدعو إلى الله عز وجل، فإن أعظم ما يمكن أن ينزله بك هو القتل، وقبل ذلك السباب والشتم والتعذيب والضرب وغير ذلك، فأعظم درجة يوقعها أعداء الملة بك وأنت تدعو إلى الله هي القتل، فإن قتلت وأنت تدعو إلى الله عز وجل فهذا عين الشرف.
أذكر منذ حوالي سبع أو ثمان سنوات ونحن في الحرم، مات رجل عالم من علماء الحرم بعد صلاة العصر وهو يلقي الدرس، فالفضائل التي اجتمعت على هذا الرجل، أنه رجل من أهل العلم والإيمان -نحسبه كذلك- وأتاه الموت وهو يلقي الدرس بعد صلاة العصر، وفي بيت الله الحرام، وهو صائم، وكان اليوم يوم جمعة، فهذه الم