[أقوال ابن عمر والحسن بن علي وعمرو بن العاص رضي الله عنهم في إثبات القدر]
قال:[عن يحيى بن يعمر قال: قلت لـ ابن عمر: إنا نسافر فنلقى قوماً يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف -أي أن الله لا يعلم الشيء إلا بعد أن يقع- قال -أي: ابن عمر - إذا لقيت أولئك فأخبرهم أن ابن عمر منهم بريء وهم منه براء، ثلاث مرات] قال ذلك.
وبذلك قال أبي بن كعب وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان.
وقال الحسن بن علي بن أبي طالب وهو صحابي صغير:[قضي القضاء -أي: قضى الله تعالى القضاء- وجف القلم، وأمور بقضاء في كتاب قد خلا].
يعني: أمور قد قضى الله تعالى أن تكون، وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق.
[قال عمرو بن العاص: انتهى عجبي إلى ثلاث -أي: إلى ثلاثة أمور-: المرء يفر من القدر وهو لاقيه] المرء يفر من شيء قدر له وهو ملاقيه، فقد تتوقع وجود الشر هنا فتفر منه، فإذا بك تجد الشر ينتظرك على ناصية الطريق الآخر الذي هربت إليه.
إذاً: إيماننا بالقضاء يعلمنا حسن التوكل على الله عز وجل.
[قال عمرو بن العاص: انتهى عجبي إلى ثلاث: المرء يفر من القدر وهو لاقيه -وهذه واحدة- ويرى في أعين أخيه القذى فيعيبها، ويكون في عينه مثل الجذع فلا يعيبها].
وهذا معنى الحديث المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام يقول:(يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه) الواحد منا ينظر إلى الناس فيرى عيوبهم مهما دقت وجلت وصغرت، فيستعظمها جداً، ويرى أنه صاحب طاعة، وفيه من العيوب ما ليس في الآخرين، ولكنه لا يُبصر عيوبه وربما لا يرضى بالنصيحة أن توجه إليه؛ وذلك لأنه يرى نفسه أعلى من كل أحد، وأنه قد خلا عن كل مفسدة، فهو يرى في نفسه أنه صاحب طاعة، والآخرين أصحاب معصية، عبد هذه نظرته لا يُرجى خيره قط، فالذي يُرجى خيره أن يكون في عين نفسه حقيراً وفي أعين الناس كبيراً.
الثالثة:[ويكون في دابته الصعر ويقومها جهده، ويكون في نفسه الصعر فلا يقومها].
الصعر: آفة تصيب الحيوانات، فهو إذا أصابت دابته علة وآفة قام بإصلاحها، كأن تكون لديك سيارة إذا اشتكت أي شكوى قمت بإصلاحها من باب الأمان، فمهما كان عيبها صغيراً حقيراً لا بد من أخذ الاستعداد والأهبة لهذا الطريق الطويل، فبينما أنت على هذه الحال نسيت أنك قد امتلأت غشاً وحسداً وبغضاً وضغينة وخيانة وغير ذلك من البلايا القلبية وغير القلبية، ومع هذا لا تُراعي في نفسك إصلاح هذه العيوب.