للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر باتباع الكتاب والسنة]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أما بعد: فمازال الكلام موصولاً عن التزام السنة ونبذ البدعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الكوفي رحمه الله ورضي عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم].

وفي الدرس الماضي قلنا: كاد أن يكون كلام الصحابة وحياً نزل من السماء؛ لأنهم عاينوا الوحي كتاباً وسنة، فألفوا كلام الله عز وجل، وألفوا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فكان كلامهم يشبه كلام الله وكلام النبي عليه الصلاة والسلام.

فلم يتكلم صاحب من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام بقول إلا وله شاهد من كتاب الله أو من سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

أما قوله رضي الله عنه: (اتبعوا).

أي: اتبعوا الكتاب والسنة.

(ولا تبتدعوا) في دين الله عز وجل (فقد كفيتم) أي: فقد كفاكم الله تعالى في كتابه، وكفاكم رسوله عليه الصلاة والسلام في سنته أن تبتدعوا في دين الله ما لم يأذن به الله، وتجد مصداق ذلك في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣].

فهذا التمام والكمال في شريعة الرحمن تبارك وتعالى إنما تحذر كل الحذر ممن سولت له نفسه أن يشرع للناس من عند نفسه ثم يستحسن ذلك ويأمر الناس باتباع ما ابتدعه.

وفي رواية بزيادة: (وكل بدعة ضلالة).

أي: كل بدعة في الدين ضلالة، وصاحبها ظالم.

قال: [قال ابن مسعود: إنها ستكون أمور مشتبهات -أي: ستظهر فيكم ولكم أمور مشتبهات- فعليكم بالتؤدة].

أي: عليكم أن تسيروا معها سيراً حثيثاً بالتؤدة والاطمئنان وعرض هذه الأمور المستحدثة والمشتبهة على فهم السلف لكلام الله وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام.

قال: [فإنك أن تكون تابعاً -يعني: فلأن تكون تابعاً- في الخير خيراً من أن تكون رأساً في الشر].

يعني: إياكم والمحدثات، سواء كانت هذه المحدثات في الاعتقاد أو في العبادات أو في الأخلاق أو في السلوك، ولم يأت لها دليل في كتاب الله ولا في سنة الرسول ولا في فعل أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، لم يكن فيها شاهد ولا نص.

قال: فاحذر من اتباع هذه البدعة فإنها محدثة، وكل محدثة في الدين بدعة وضلالة.

وقال أيضاً: [إنكم أصبحتم على الفطرة، وإنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة أو أمراً مبتدعاً في الدين تنكرونه، فعليكم بالهدي الأول].

كما في قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة: (سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون).

لأن الحق له صور وعلامات كعلامات القرين، فالأمراء أحياناً يأتون بالمعروف وأحياناً يأتون بما ينكر عليهم.

قال: (فمن كره فقد برئ)، أي: من كره بقلبه فقد برئ بيده من الإثم.

(ومن أنكر فقد سلم).

أي: ومن تعرض لهذا المنكر بالإنكار والتغيير فقد سلم، ولكن الحرج كل الحرج والإثم كل الإثم على من رضي بهذا المنكر وتابع الأمراء عليه.

قال: [إنكم أصبحتم على الفطرة، وإنكم ستحدثون ويحدث لكم].

يعني: ربما تأتي البدعة منكم أو تأتيكم من غيركم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول.

أي: فعليكم بكتاب الله وسنة رسوله وهدي الصحابة رضي الله عنهم.

فكل هذه النصوص إنما تحث المسلم أن يتمسك بما كان عليه سلف الأمة، وبما كان عليه أهل القرون الخيرية الأولى؛ لأنهم أدرى بكتاب الله وهم كذلك أعلم بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا ظهر في دين الله عز وجل غير ما تعرفون من كتاب الله وسنة رسوله وفهم الصحابة والسلف الصالح على جهة الخصوص من هذه النصوص فعليكم أن تتمسكوا بالهدي الأول أي: بالأمر العتيق.

قال: [قال ابن مسعود كذلك: ما كان أهل الكتاب إلا كان أول ما يدعون السنة، وآخر ما يدعون الصلاة.

وقال: يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا -يعني: مفصل أنملة- أو يقول: يأتي من بعدكم أقوام يدعون من السنة -أي: من العقيدة- مثل هذه.

وأشار إلى بعض الأنملة.

كأنها تلك القطعة من اللحم التي تحت الظفر، وهو شيء يسير جداً.

يقول: فإن تركتموهم وما أحدثوا لكم في الدين جاءوا بالطامة الكبرى، وإن لم يكن أهل كتاب قط إلا كان أول ما يتركون السنة وآخر ما يتركون الصلاة، ولولا أنهم أهل كتاب لتركوا الصلاة].

الذي يلزمنا وهو أوضح في المراد: أننا لو تركنا أهل الباطل بباطلهم وأهل الفساد بفسادهم لعم العقاب، كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥].

وقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أ