[مذهب الإمام النووي في الصفات]
الإمام النووي تارة يذهب مذهب الخلف في التأويل وصرف النصوص عن ظاهرها، وتارة يذهب مذهب السلف وينافح ويدافع عنه، وتارة ينقل مذهب السلف والخلف ولا يرجح ويسكت، وهذا بلا شك تردد عظيم جداً ينم عن أن الإمام النووي لم يتمرس في هذا المسائل تمرس أهل السنة والجماعة، ولم يكن على علم وإحاطة بمذهب السلف فيما يتعلق بصفات الباري تبارك وتعالى، كما كان الأمر عند أحمد، وعند ابن خزيمة، وعند ابن راهويه، وعند يحيى بن معين، وعند الشافعي وغيرهم من أهل العلم، ولم يكن قد بلغ في الاعتقاد هذا المبلغ، وإذا كان أحياناً يتحير ويتردد، وأحياناً يقطع بالحق، وأحياناً يميل إلى الباطل، ليس اعتقاداً أنه باطل، ولكنه تصور هذا بعقله، ووقع فيما يريد أن يفر منه.
لذلك لا نقول: إنه خلفي وإنما هو سلفي وافق المبتدعة في بعض أقوالهم، وهذه الموافقة إنما نتجت عن عدم تمكنه في دراسة الاعتقاد، بل تبعيته في الأخذ والتلقي عن الإمام المازري وعن القاضي عياض، وهما أشعريان، خلفيان، متأولان، وهما اللذان أورداه هذه الموارد، وأخرجاه إلى حد الابتداع فيما يتعلق بالصفات، ولذلك قال النووي معلقاً على قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله يمسك السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع)، هذا من أحاديث الصفات، وقد سبق فيه المذهبان: مذهب الخلف، ومذهب السلف، والتأويل مذهب الخلف، والإثبات مع الإيمان به مذهب السلف.
يقول: أنني قدمت أو شرحت هذا الأمر مراراً وتكراراً أن أحاديث الصفات فيها المذهبين مذهب الخلف ومذهب السلف مع التصديق الجازم على ما جاءت به دون خوض أو تأويل أو تحريف.
قال: مع اعتقادي أن الظاهر منها غير مراد، وهذا القول لا ينسب إلى أهل السنة.
نحن نقول: الظاهر منها مراد لله عز وجل على ما يليق به، فنؤمن بصفة اليد مع اعتقادنا أن الظاهر منها مراد لله حقيقة لكن على الوجه اللائق به تبارك وتعالى.
قال: (فعلى قول المتأولين الذين يتأولون الأصبع هنا على الاقتدار).
أي: خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل، والناس يذكرون الأصبع في مثل هذا للمبالغة في الاقتدار، فيقول أحدهم: بأصبعي أقتل زيداً.
أي: لا كلفة علي في قتله.
وقيل: يحتمل أن المراد أصابع بعض مخلوقاته.
قال: (وهذا غير ممتنع).
يعني جائز، وممكن، أي: هذا الكلام وجيه لا يرد، ولذلك ينبغي بل يجب على طلاب العلم أن يتفحصوا وأن يتحروا كل لفظ يقرءونه في كتب السلف أو في كتب غيرهم وإن كان فيها شر مستطير فاحذر من القراءة فيها ابتداء، وكتب السلف ممكن يقع فيها الخبط والخلط، والإمام النووي على العين والرأس، يا ليت واحد في هذا الزمن مثل النووي أو حتى نصف النووي، وقد تعلمنا من النووي وغيره أن من خالف الكتاب والسنة فكلامه يرد على قائله، ومن وافقهما أخذ من قائله حتى وإن كان يهودياً أو نصرانياً، لحديث: (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها).
قال النووي: وقيل: يحتمل أن المعنى بعض مخلوقاته، وهذا غير ممتنع، والمقصود أن يد الجارحة مستحيلة، فمرة وافق أهل السنة، ومرة يخالف ونحن نقول: إن اليد الجارحة مستحيلة على الله عز وجل، فلو أثبت لله يداً مثل يدي الجارحة فأنا قد شبهت الخالق بالمخلوق، وهذا حرام لا يجوز ولا ينبغي، فقالوا: إن إثبات اليد لله عز وجل مجازي، والمقصود باليد: القدرة والغلبة والقوة، وإلا لترتب على ذلك أن يد المولى عز وجل مثل يد المخلوق.
ومذهب أهل السنة وسط بين الاثنين، فأثبت هذه الصفة لله على حقيقتها وعلى المراد منها ظاهراً لله عز وجل على الوجه اللائق، ولذلك فإن مذهب أهل السنة مريح جداً، فهو عبارة عن كلمات يسيرات تعتقدها، وتتعبد مولاك بها، وليس فيها تلف، وعقيدة الأنبياء والمرسلون فيما يتعلق بالإيمان لا تتغير عن بعضهم البعض.