ما جاء عن بعض الصحابة والتابعين في قبول توبة القاتل عمداً
قال: [وقال ثمامة بن حزن: كنت مع أبي فسأل رجل عبد الله بن عمرو - أي: ابن العاص - فقال: من كل ذنب توبة يقبل الله التوبة؟ -يعني: لو أن العبد أذنب ذنوباً فتاب من كل ذنب هل يقبل الله تعالى التوبة؟ - قال: نعم].
وهذا اللفظ من ألفاظ العموم، فقوله: (لو أن عبداً أذنب كل ذنب) يشمل الكبائر والصغائر ويشمل القتل كذلك.
قال: [وعن مجاهد - وهو مجاهد بن جبر المكي من التابعين- قال: لقاتل المؤمن توبة].
ولما عدد الله عز وجل الكبائر أو بعض الكبائر ومنها قتل النفس قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ} [الفرقان:٧٠]، يعني: لا يتوب عليهم فقط، بل يجعل أعمالهم السيئة حسنات بحسن إيمانهم وصدقهم في توبتهم.
قال: [وعن سعيد بن جبير قال: ما أعلم لقاتل المؤمن توبة إلا الاستغفار].
يعني: جعل الاستغفار علامة توبة المؤمن.
وهناك حديث ضعيف يشهد لهذا المعتقد، قال: [فعنه صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:٩٣] قال عليه الصلاة والسلام: (هو جزاؤه إن جازاه)]، يعني: هذا جزاؤه إن جازاه الله عز وجل.
قال: [وعن سعيد بن جبير: أنها نزلت في مقيس بن صبابة حين قتل الفهري، وكان بعثه النبي صلى الله عليه وسلم معه ليأخذ دية أخيه فأنزل الله فيه قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:١٧٨]]، يعني: أن الله عز وجل سماه مؤمناً وأخاً لك، فقال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة:١٧٨].
فالمعفو له هو القاتل، وصاحب العفو هم أولياء المقتول.
{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:١٧٨]، يعني: تلطف حتى في الكفارات وغير ذلك.
والله تعالى يقول: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:٩].
فلم ينف الإيمان عن إحدى الطائفتين سواء كانت قاتلة أو مقتولة، ولا يمكن قط أن يستقيم وصف الإيمان - وهو اسم مدح - مع معتقد أن القاتل المؤمن عمداً مخلد في نار جهنم وأنه لا تقبل منه التوبة، إذ كيف يكون مؤمناً حينئذ؟