[رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي عليه الصلاة والسلام]
وأما الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام فقد بلغت حد التواتر، ورواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن، منها [حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن ناساً قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟)]، وتأمل الدليل عندما يكون صحيحاً وصريحاً فإنه يطمئن، ويبطل النزاع، ومع ذلك فهذه الأدلة لم تنفع المعتزلة والجهمية، فإنهم لما كانوا أصحاب هوى وانحراف أضلهم الله عز وجل؛ لأنهم استحبوا العمى على الهدى، فأعماهم الله عز وجل في الدنيا والآخرة.
[قال: (إن ناساً قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟)]، وهذا سؤال واضح؛ لأنهم يعرفون أنهم لن يروه في الدنيا، والصحابة كانوا مجمعين على أن رؤية الله مستحيلة في الدنيا.
وعند ذلك سألوا عن شيء آخر وجديد، (هل نرى ربنا يوم القيامة؟)، والمقصود بيوم القيامة: يوم المحشر، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] المراد بقوله سبحانه: (يومئذ) أي: يوم المحشر، فإن أهل الإيمان هم الذين ينظرون إلى الله عز وجل، لكن هل ينظر إليه الكفار والمنافقون في المحشر؟ هذه الجزئية والفرعية سنتكلم عنها بإذن الله.
فقوله: (قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟)، وكان بإمكانه أن يقول: نعم، لكنه أراد أن يضرب لنا مثلاً ليكون أبلغ في إيصال هذا العلم، [فقال: (هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟)]، أي: عندما يكتمل القمر لا يكون بينكم وبينه ضير ولا ضيم، ولا يحجبكم عن رؤيته شيء.
قال: [(قالوا: لا يا رسول الله! قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟)]، أي: عندما تطلع الشمس وتكون صحواً، هل تعلمون علماً يقيناً حين النظر إليها أن هذه الشمس هي التي خلقها الله أم لا؟ [قال: (فإنكم ترونه كذلك)] أي: لا يمنعكم ضيم ولا شك ولا ريب من رؤية الله عز وجل كما ترون الشمس والقمر.
وهنا شبهة عظيمة جداً وقعت فيها المعتزلة والجهمية، فقالوا: إن هذا النص يفيد التشبيه، أي: تشبيه المولى تبارك وتعالى بخلقه، إذ أنكم لو أثبتم هذا للزمكم أن تقولوا بالتشبيه بين الله تبارك وتعالى وبين خلقه من الشمس والقمر.
والجواب عن هذه الشبهة: أنه قد ورد في نفس الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (فإنكم ترونه كذلك)، فالضمير يعود إلى الله عز وجل، أي: كما ترون الشمس والقمر، إذاً ليس هنا تشبيه.
والمقصود من الحديث تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئي بالمرئي، فالنبي عليه الصلاة والسلام شبه رؤيتك في الوضوح لله عز وجل برؤيتك للشمس والقمر في الوضوح، بحيث لا يمنعك شيء؛ لأن الذي يمنعك عن الله عز وجل هو الحجاب، فإذا كشف الله تبارك وتعالى الحجاب هل يمنعك من رؤية الله عز وجل شيء؟ لا.
فالشمس إذا كان بينك وبينها سحاب تحجب، وإذا رفع هذا الحجاب، ولم يكن هناك سحاب فإنك ترى الشمس صحواً، وإذا نظرت إلى القمر ليلة البدر في تمامه ليس هناك غيم ولا ضوء عليك؛ فإنك ستراه على صورته الحقيقية.
لذا فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (فإنكم ترون ربكم كما ترون الشمس)، فشبه الرؤية بالرؤية من جهة الوضوح، ولم يشبه المرئي -وهو الله عز وجل- بالمرئي -وهو الشمس والقمر-.
وحديث أبي سعيد الخدري بنفس سياق حديث أبي هريرة.