[كلام ابن تيمية في آيات وأحاديث الصفات]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله: (جماع الأمر: أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة، قسمان يقولون: تجرى على ظواهرها) في كل الصفات.
قال: (وقسمان يقولون على خلاف ظواهرها).
يعني: يؤولونها ويحرفونها.
قال: (وقسمان يسكتون.
وما أحسن ما قال بعضهم: إذا قال لك الجهمي: كيف استوى؟ أو كيف ينزل إلى السماء الدنيا ونحو ذلك، فقل له: كيف هو؟ هل رأيته؟ فيقول: لا.
فقل: وأنا كذلك لم أر نزوله، فإذا كنت أنت لا تستطيع أن تكيف ذات الإله فأنا لا أستطيع أن أكيف أفعال الإله.
فإذا قال: لا يعلم ما هو إلا هو وكنه الباري غير معلوم للبشر، فقل له: فالعلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن تعلم كيفية الموصوف وأنت لم تعلم كيفية الصفة؟ وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي له، بل هذه الروح علم العاقل اضطراب النفس فيها.
فهذه الروح مخلوقة واختلف الناس فيها لعدم رؤيتهم لها، فأنت لا تستطيع أن تصف الروح مع أنها مخلوقة، وهي معك إذا نمت وإذا قمت، بل في كل أحوالك هي معك، فمن باب أولى أن تعجز عن وصف الخالق وصفات الخالق وأفعال الخالق.
قال: (والصواب في كثير من آيات الصفات وأحاديثها القطع بالطريقة الثانية، وهي طريقة إمرارها على ظاهرها والإيمان بها كما جاءت).
وابن الجوزي قال كلاماً طيباً في كتاب (صيد الخاطر) مع أنه أشعري المعتقد إلا أنه أحياناً ينطق بكلام السلف، فيقول: من أضر الأشياء على العوام: كلام المتأولين والنفاة للصفات والإضافات، فإن الأنبياء عليهم السلام بالغوا في الإثبات ليقرروا في أنفس العوام وجود الخالق، فإن النفوس تأنس بالإثبات؛ فإذا سمع العامي ما يوجب النفي طرد عن قلبه الإثبات، فكان من أعظم الضرر عليه، وكان هذا المنزه من العلماء على زعمه مقاوماً لإثبات الأنبياء بالمحو، وشارعاً في إبطال ما بعثوا به.
قال: (وبيان هذا أن الله تعالى أخبر باستوائه على العرش، فأنست النفوس بإثبات الإله ووجوده، وقال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:٢٧]، وقال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤]، وقال: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المجادلة:١٤] وقال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [المجادلة:٢٢].
وأخبر الرسول أنه ينزل إلى السماء الدنيا فقال: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن).
وقال: (وكتب التوراة بيده).
وقال: (كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش) إلى غير ذلك مما يطول ذكره.
فإذا امتلأ العامي والصبي من الإثبات وكاد يأنس من الأوصاف بما يفهمه الحس؛ قيل له: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] فمحا من قلبه ما نقشه، وتبقى ألفاظ الإثبات متمكنة؛ ولهذا أقر الشارع على مثل هذا، فسمع منشداً يقول: وإن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا فضحك.
وقال له آخر: (أويضحك ربنا؟ فقال: نعم.
وقال: إنه على عرشه هكذا وأشار بيده مثل القبة) كل هذا ليقرر الإثبات في النفوس.
وهو حديث ضعيف.
وعلى أية حال! كلام ابن الجوزي يحتاج إلى حذر شديد جداً؛ لأنه يضع السم في العسل فيما يتعلق بالاعتقاد، ولا يفعل ذلك ليفسد اعتقاد الأمة، وإنما أمور العقيدة عنده لم تنضبط، ولذلك خلط بينها كما خلط النووي وغيره بين الغث والسمين.