بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن المسلمين لا تضرهم الذنوب التي هي الكبائر إذا ماتوا عن توبة من غير إصرار، ولا يوجب التكفير، وإن ماتوا عن غير توبة فأمرهم إلى الله تعالى، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم].
هذا الباب متعلق بحكم مرتكب الكبيرة، وأن من وقع في كبيرة إن تاب منها تاب الله عز وجل عليه قولاً واحداً، وإن أقيم عليه الحد فالحد كفارته، وإن مات من غير توبة فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
هذا مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بمرتكب الكبيرة.
وأما المعتزلة فقالوا: مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً ولا كافراً في الدنيا، وأما في الآخرة فهو مخلد في النار أبد الآبدين.
والمعلوم قطعاً عند أهل السنة أنه لا يخلد في النار إلا الكفار، والمعتزلة لم يجعلوه مؤمناً ولا كافراً، ثم جعلوه من المخلدين في النار.
وأما الخوارج فقالوا: مرتكب الكبيرة كافر خارج عن الملة مخلد في النار إلا من تاب.
ونصوص القرآن والسنة شاهدة على بطلان قول الخوارج وقول المعتزلة في آن واحد، ولا يسلم لنا إلا مذهب أهل السنة والجماعة، وهو أن مرتكب الكبيرة إن أُقيم عليه الحد فالحد كفارته، ولا يطالبه الله عز وجل يوم القيامة، ولا يسأله عن هذا الذنب أبداً؛ لأنه تطهر منه في الدنيا بقيام الحد عليه، وإن تاب فيما بينه وبين الله عز وجل تاب الله عز وجل عليه، وأما إن بلغ أمره إلى السلطان فيجب على السلطان أن يقيم عليه الحد حتى وإن تاب، وليس للسلطان العفو عن صاحب الكبيرة إذا قال: لقد تبت إلى الله عز وجل؛ لأن السلطان حر فيما يتعلق بما هو دون الكبيرة، وأما الكبائر فلا بد من إقامة الحد على المذنب إذا بلغ الأمر إلى السلطان، وإذا مات صاحب الكبيرة وهو مصر عليها غير مستحل لها فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.