[كلام الألباني فيما ينتفع به الميت]
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في باب ما ينتفع به الميت: ينتفع الميت من عمل غيره بأمور، والأصل أن الميت لا ينتفع إلا بعمله هو: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:٣٩] والاستثناء أنه ينتفع بعمل الغير، وهذا هو التخريج على هذا الأصل.
أولاً: دعاء المسلم له ينتفع به، ولا تزال الأمة تدعو لبعضها البعض، إذا توفر في هذا الدعاء شروط القبول؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].
وأما الأحاديث فهي كثيرة جداً، فنذكر منها شيئاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين.
ولك بمثل).
بل إن صلاة الجنازة جلها شاهد لذلك؛ لأنها دعاء للميت واستغفار له.
ثانياً: ينتفع الميت من عمل الغير بقضاء ولي الميت صوم النذر عنه.
أي: أن الدعاء يُقبل من كل أحد للميت، أما الصوم فلا يُقبل إلا من الولي، فلا أقول في شأن شخص أجنبي مات ولا تربطني به علاقة نسب: أنا سأصوم عنه أيام نذره التي نذرها! فهذا كلام مرفوض، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه).
والولاية: اثنتا عشرة مرتبة، كل مرتبة يمكن أن يكون فيها خمسة أو عشرة أو خمسة عشر أو عشرين حسب توسع هذه الأسرة.
والعلماء يفرقون بين هذا والصيام: (من مات وعليه صيام).
فبعضهم قال: لا يصوم عنه قط؛ لأن الصوم عبادة خاصة.
والبعض قال: يصوم عنه جميع أنواع الصيام: صيام النفل، وصيام النذر، وصيام الواجب، وصيام الفرض.
والرأي الراجح: أنه لا يصوم عنه إلا صيام النذر؛ لأنه هو المتعلق بالذمة، أما صيام الفرض فيدور بين أمرين: أن يتركه صاحبه معذوراً أو غير معذور، فإن تركه وهو غير معذور في تركه يأثم بذلك ويستحق العقاب، وإن تركه بعذر فالكفارة فيه إطعام، فيطعم عن كل يوم مسكيناً، والإطعام واجب على الأولياء.
ثبت عن ابن عباس: أن امرأة ركبت البحر فنذرت إذا أنجاها الله تبارك وتعالى أن تصوم شهراً، فأنجاها الله عز وجل، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت ابنتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: (أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضينه؟ قالت: نعم.
قال: فدين الله أحق أن يقضى.
اقضِ عن أمكِ).
وهذا يدل على أن السائلة كانت بنتاً، وبين البنت وأمها ولاية، ولكن إن لم تستطع تكفر، فإن كانت فقيرة لا تستطيع فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فانظر إلى رحمة الإسلام! وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه: أنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: اقضه عنها).
ثالثاً: قضاء الدين عنه من أي شخص ولياً كان أو غير ولي، وفيه أدلة كثيرة جداً.
رابعاً: ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة، فإن لوالديه مثل أجره، دون أن ينقص من أجرهما شيء؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقول: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:٣٩]، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) وهو على شرط الشيخين.
فالصلاة عبادة متعلقة بالشخص؛ ولذلك أرجح الأقوال في الصيام -أي: صيام الفرض- أنه لا يؤدى عنه.
أي: أن قوله: (من مات وعليه الصيام فليصم عنه وليه) هذا كلام عام، خصصه حديث سعد بن عبادة: أنه سأل عن نذر أمه التي توفيت، فالعلماء حملوا هذا على ذلك، وفرقوا بين صيام الفرض وصيام النذر.
والزكاة عبادة متعلقة بالمال، وما دام المال موجوداً يؤدى، وهذا من الحقوق التي هي محل اتفاق بين أهل العلم: إذا مات الميت ولم يخرج زكاة ماله وجب إخراج زكاة المال أولاً قبل توزيع الميراث، وإخراجها عنه تنفعه؛ لأنه كان معتاداً على إخراجها، لكنه إذا تأخر عن إخراجها فأرجح الأقوال عندي: أنه يعذب بذلك، وينتفع الأبناء بهذا الواجب.
الخامس: ما خلفه من بعده من آثار صالحة ينتفع بها وصدقات جارية؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:١٢] أي: وكل شيء تركوه خلفهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء) إلى آخر الحديث.
وعن أبي قتادة: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يُعمل به من بعده).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال النب