[الكف عن الخوض في كيفية الصفات]
القاعدة الثالثة التي تعين على فهم صفات المولى تبارك وتعالى كما فهمها السلف: الكف عن الخوض في كيفية الذات والصفات.
فلا تقل: كيف يكون شكل الله؟ وكيف تكون صفاته؟ وكيف يسمع؟ وكيف يأتي؟ وكيف يصعد؟ وكيف ينزل إلى السماء؟ وكيف يجيء؟ وكيف يرى؟ وغير ذلك من الأسئلة؛ حتى تسأل عن ذات المولى تبارك وتعالى، وأنت منهي عن هذا كله، ولذلك ثبت عن السلف أنهم قالوا: أمروها كما جاءت، أي: لا تتعرضوا لها ولا تخوضوا فيها بتأويل غير سائغ ولا بصرفها عن ظاهرها، فآمنوا بها وصدقوا بها على النحو الذي جاءت به في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، من غير أن تتعرضوا لها بتمثيل أو تعطيل أو تحريف.
وقول أم سلمة وربيعة الرأي ومالك وهو قول مشهور: الاستواء معلوم.
فقد سئل مالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم.
لماذا معلوم؟ لأن الله تبارك وتعالى يخاطبنا بلغة نحن نفهمها، ولا يتصور أن الله تعالى خاطب هذه الأمة بما ليس له مدلول في اللغة عندهم، فاستوى في اللغة بمعنى: علا وارتفع إذا كان هذا متعلقاً بالمولى تبارك وتعالى.
فالاستواء في اللغة إذا قيد بالمولى تبارك وتعالى فهو يعني: العلو والارتفاع، بخلاف استواء بلقيس على عرش اليمن، إذ إن استواء بلقيس يختلف عن استواء المولى تبارك وتعالى، واستواء الزعيم على كرسيه يختلف عن استواء المولى تبارك وتعالى على كرسيه، فإذا قيد الاستواء بذات المولى تبارك وتعالى فإنه يعني: أنه علا وارتفع، واللغة لا تسمح إلا بهذا، وسنبين هذا أيضاً.
وقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:١١٠]، فإذا كان الله تبارك وتعالى قد حجب نفسه عنا بحيث لا أحد منا يعلم ذات الله تبارك وتعالى، ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل يعلم ذات المولى تبارك وتعالى، فمن باب أولى أنه يجهل كنه صفات المولى تبارك وتعالى، أي: لا يعلمها على كيفيتها الثابتة للمولى تبارك وتعالى.
فإذا كنت لا تعرف كنه الله ولا كيفية ذاته؛ فلا بد أن تسلم بأنك لا تعرف الصفات؛ لأنها فرع وتصور عن الذات، وكل ذات لها صفات، وهذه الصفات هي تصور وفرع عن الذات، فإذا كنت تعلم الذات وكيفيتها فلا بد أن تعلم كذلك الصفات.
هب أنك سئلت عن محمد أو عن علي أو عن إبراهيم، فقلت: نعم، أنا أعرفه، طوله كذا وعرضه كذا وأبيض اللون أو أسود اللون وذو لحية وله يدان طويلتان أو قصيرتان وكتف عريض وغير ذلك.
وتصفه تماماً؛ لأنك تعلم ذاته وبالتالي تعلم صفاته.
أما إذا سألناك: هل الله موجود؟ فتقول: نعم موجود.
ولو سألناك: كيف هو؟ فتقول: لا أعلم كيف هو، فكان لزاماً عليك أن تقول: أنا لا أعلم كيفية الصفات الثابتة للمولى تبارك وتعالى، وفي المقابل قد أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه هذه الصفات فينبغي عليك أن تؤمن بها، وأن تصدق وأن تسلم للمولى تبارك وتعالى، فكما سلمت بوجود الذات وأنت تجهل كيفيتها فلابد أن تسلم بالصفات وأنت تجهل كذلك كيفيتها.
ولذلك سئل مالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] كيف استوى؟ علو المولى تبارك وتعالى هذا صفة واستواؤه على العرش سبحانه وتعالى صفة، فإذا كنت تجهل الذات فلا بد أن تجهل الصفات ومنها الاستواء؛ ولذلك قال مالك: الاستواء معلوم.
يعني: نحن نعلم في اللغة ما معنى استوى، إذا قرنت بالمولى تبارك وتعالى فمعناه: ارتفع وعلا، وهذا معلوم.
قال: والكيف مجهول، يعني: لا يُعلم كيف استوى الله تبارك وتعالى على العرش، فلا يستطيع أحد أبداً أن يقول: إن الله تبارك وتعالى استوى على العرش على نحو استواء المخلوق؛ لأن كيفية الاستواء لم تأتِ في كتاب الله ولا في سنة رسوله، وإنما ورد الاستواء، وهو العلو المعلوم لدى العرب.
فنحن لا نعلم كيفية استواء المولى تبارك وتعالى، كما أننا لا نعلم كيف يسمع المولى تبارك وتعالى، ولا كيف يبصر المولى تبارك وتعالى، ولا كيف يجيء المولى تبارك وتعالى، ولا كيف ينزل إلى السماء الدنيا تبارك وتعالى، فإذا كنت تجهل كيفية صفة واحدة فينبغي أن تجهل كيفية جميع الصفات، ولو أنك ادعيت العلم في كيفية صفة فلابد أن تدعي العلم في كيفية جميع الصفات، وإلا فلا حجة مع من فرق بين صفة وصفة، وبين اسم واسم.
إذاً: هذه القاعدة الثالثة التي قعدها أهل السنة والجماعة في معرفة أسماء الله وصفاته: أننا نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، ونكف عن الخوض في التأويل ومعرفة الكيفية، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] كيف استوى؟ لا ندري، ولكننا نؤمن ونسلم، فمن الله الرسالة وعلينا التصديق والتسليم.
فإذا كنت تؤمن بكتاب الله وبكلام الله فلا بد أن تعلم أن الله تعالى نفى المماثلة بينه وبين خلقه بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] وأثبت لنفسه السمع والبصر بقول