[موقف المهدي من القدرية]
ويقول الإخباري: قرأت في أخبار إبراهيم بن المهدي أنه حدث عن زيبة المدني [أن المهدي أشخص من المدينة -أي: أرسل من المدينة- ثلاثين شيخاً ممن تكلم في القدر واشتهر به.
قال: فكنت فيهم -يعني: زيبة كان فيهم وكان صبياً صغيراً أتى من المدينة إلى العراق مع ثلاثين شيخاً يتكلمون في القدر -فلما مثلنا بين يديه ضربهم بالسياط أجمعين وأخرني لصغره- فلما قدمت قال: أراك صبياً ألم يكن بالمدينة من هو أسن منك تتم به العدة؟] يعني: إبراهيم بن المهدي يقول له: هم ما أرسلوا رجلاً يكمل الثلاثين، كأن العدة ثلاثين شخصاً، حتى أرسلوك وأنت صبي صغير.
[قلت: جماعة يا أمير المؤمنين! فقال: إذاً إنما قربت إليهم لأنك من مثلهم -يعني: أنت جئت معهم لأنك قدري مثلهم- ثم دعا بالسياط، فلما ضربت سوطاً، فقلت: يا أمير المؤمنين! نشدتك الله إلا أدنيتني إليك أكلمك ولك رأيك.
فقدمني فقلت: أنا رجل من أهل المدينة قطن أبي فيها -أي: سكن أبي في المدينة- وهو من وادي القرى -أي: بمكة- وكان تاجراً ذا مال، فعلمني القرآن ثم أمرني أن أغدو إلى حلقة ابن أبي ذئب - ابن أبي ذئب كان قدرياً- وأروح إلى ربيعة الرأي، فعن لي شيخ لم أكن رأيته قط -يعني: أنا فكرت بشيخ لم أره قط- فقال لي: يا بني! قد بلغت من العلم وما أراك استبصرت في دينك] يعني: أنت يا ابني عالم أخذت العلم عن ربيعة الرأي وعن ابن أبي ذئب ولكن العلم هذا ليس له قيمة، لأنك لست بصيراً بدينك.
[فقلت: وما ذاك يا عم؟] يعني: أنت ماذا ترى؟.
[قال: هل رأيت مقعداً قط؟] يعني: هل رأيت رجلاً مشلولاً لا يستطيع أن يقوم.
[قلت: نعم.
قال: فلو رأيت رجلاً كلفه صعود نخلة ما كنت تقول؟] يعني: لو رأيت رجلاً قال لهذا القعيد: اصعد هذا الدرج أو السطح، أيستطيع؟ [قلت: هو جاهل.
قال: فلو ضربه على قصوره عن صعودها؟ قلت: ظالم] لأنه يضرب رجلاً ليس في إمكانه أن يصعد ويحمله الصعود فهو ظالم.
[فقال: يا بني! هذا حكمك على إنسان فكيف بالله سبحانه في عدله؟ أتقول: إنه يكلف عباده ما ليس في وسعهم ثم يعاقبهم عليه مع قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] قال: فتعدني يا أمير المؤمنين بالمقعد -يعني: أنت تأمرني مثل المقعد، تكلفني فوق طاقتي ثم تعذبني- قال زيبة: فضحك المهدي أمير المؤمنين ثم أمر فطرح ثيابي علي، فلما لبست أدناني ثم قال: أجبني وأنت آمن -يعني: تكلم براحتك، واعلم أنني لا أمد على بدنك السوط نهائياً- قال أمير المؤمنين: لو أنك في سفر فرأيت عليلاً في برية -أي: في الصحراء- فاستطعم رجلاً فلم يطعمه وتركه ومضى ما كنت قائلاً؟ قلت: ظالم.
قال: فهل علمت أن أحداً من خلق الله كان في برية عليلاً عادماً للطعام والشراب؟ قلت: كثيراً -أي: كثير من يموت من الجوع- قال: فإن دعا ربه أن ينجيه هل كان الله سبحانه قادراً على أن يطعمه ويسقيه؟ قلت: اللهم نعم -أي: لو دعا ربه فإن الله قادر على أن يطعمه ويسقيه- قال: فهل تقول إن دعا ربه أن يطعمه ويرويه فلم يجب دعاءه ومات أن الله ظلمه؟ -يعني: ربنا ما استجاب دعاء هذا الذي في البرية للطعام والشراب فمات، هل الله تعالى قد ظلمه في هذا؟ - قلت: لا.
قال: فكيف تقول لمن أقعدك مثل هذا؟ -أي: كيف تقول لمن أقعدك إنه ظالم- قال: لأن الأشياء كلها لله تعالى لا عليه، والتجوير يجب علي من الأشياء لا له يا زيبة، إن الإيمان إذا سكن القلب قبل الاحتجاج لم يخرجه الاحتجاج].
يعني: الإيمان عندما يكون في القلب حتى وإن كان صاحب هذا الإيمان جاهل وحجة الخصم أقوى فهذه الحجة لا تخرج هذا الإيمان من القلب.
أذكر وأنا في معهد البخوري سنة (١٩٨٢) دخل علينا رجل يتكلم عن الإسراء والمعراج وأنه كان بالروح دون الجسد.
قلت له: يا شيخ! هل هذه عقيدتك؟ قال: نعم.
قلت: ولكن عقيدة أهل السنة أن الإسراء كان بالروح والجسد.
فقال لي: قم واقفاً من أجل أن أراك.
فقمت نصف ساعة وأنا واقف على قدمي يشرح لي معنى حرف الباء فقط في قول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١] ليخرج في النهاية أن من معاني الباء أنها مصاحبة للروح دون البدن، وبعد نصف ساعة قال لي: فهمت يا ابني.
قلت له: نعم فهمت.
قال: وماذا فهمت؟ قلت: أن الإسراء بالروح والجسد.
فقال لي: اقعد فأنت يا ابني عامل حسابك ألا تفهم.
قلت له: صحيح.
لأنني فهمت معتقد أهل السنة والجماعة فليس عندي استعداد أن أغيره.
قال: [إن الإيمان إذا سكن في القلب قبل الاحتجاج لم يخرجه الاحتجاج، وإذا سكن الحجاج قبل الإيمان كان منتقلاً متى حاجه من هو أحج منه].
يعني: إذا كان لا يقوى على حجج المبتدعة فإنه كلما أتاه مبتدع حجته أقوى من حجة المبتدع الأول تنقل، النهار هذا قدري، بكرة شيعي