[مسألة في سماع الميت للأحياء عند الدفن]
مسألة: هل يسمع الميت عند دفنه؟ لا.
والثابت عند الدفن أننا إذا أدخلناه القبر قلنا: (بسم الله وعلى ملة رسول الله) هذا هو الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أما أن تأمره بالتوحيد فهذا عند الاحتضار، وهذا ما يسمى بالتلقين، أما التلقين الذي بعد الموت فقد اختلف فيه العلماء على ثلاثة آراء: منهم من قال به مطلقاً، ومنهم من منعه مطلقاً، والثالث: قالوا: يلقن حين النزول لا بعد النزول، والراجح: عدم تلقين الشهادتين وغير ذلك، والصواب في هذه القضية: أن التلقين حين نزول الميت القبر لا يكون إلا بقولك: (بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
أما الدعاء له بالتثبيت فهو الدعاء الذي ينفعه، لكن ليس فيه أنه يسمعه، إنما الذي فيه أنه يستفيد من ذلك، وبعض أهل العلم افترى على الإمام أبي حنيفة وأصحاب المذهب أنهم قالوا بسماع الأموات مطلقاً، فالإمام الألوسي صنف كتاباً عظيماً جداً في الرد على من قال ذلك وسماه: الآيات البينات في إثبات عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات، وحققه شيخنا العلامة الألباني رحمه الله.
فقال بعد أن ذكر كلام الأحناف بعدم سماع الأموات قال: وممن قال بقولهم -أي: بقول الحنفية- أصحاب المذاهب الأخرى.
وقال الإمام النووي -وهو شافعي- في شرح مسلم في باب عرض مقعد الميت من الجنة في الكلام على قوله عليه الصلاة والسلام في قتلى بدر: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) قال المازري: قال بعض الناس: الميت يسمع؛ عملاً بظاهر هذا الحديث.
هكذا قال المازري.
ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء.
يعني: المازري أول من خالف فقال بأن الموتى يسمعون، ثم أنكرها وأثبت أن هذا خاص بأهل القليب خاصة، وأنت تعلم أن المازري من أجل العلماء المالكية المتقدمين.
أما إنكار عائشة رضي الله عنها سماع الموتى وقالت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم ليسمعون، إنما قال: إنهم ليعلمون الآن ما كنت أقول لهم أنه حق، ثم قرأت: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل:٨٠]، وقرأت: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:٢٢]).
قال الحافظ ابن رجب: وقد وافق عائشة على نفي سماع الموتى كلام الأحياء طائفة من العلماء، ورجح القاضي أبو يعلى من أكابر أصحابنا في كتابه الجامع الكبير، واحتج بما احتجت به، وأجابوا عن حديث قليب بدر يما أجابت فيه عائشة رضي الله تعالى عنها، وبأنه يجوز أن يكون ذلك معجزة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وهو سماع الموتى لكلامه.
وفي صحيح البخاري قال قتادة: أحياهم الله تعالى -يعني: أهل القليب- حتى أسمعهم قوله صلى الله عليه وسلم توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً.