[أصول الفرق عند أبي حاتم]
قال: [قال أبو حاتم: وأخبرت عن بعض أهل العلم: أول ما افترق من هذه الأمة الزنادقة، وهم: القدرية والمرجئة والرافضة والحرورية، فهذا جماع الفرق وأصولها، ثم تشعبت كل فرقة من هذه الفرق على فرق، وكان جماعها الأصل، واختلفوا في الفروع، فكفر بعضهم بعضاً، وهذا شأن أهل البدع دائماً، إذا اختلفوا في شيء يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً.
وأما أهل السنة فإن اختلفوا خطأ بعضهم بعضاً].
ولم يكفر أو يلعن بعضهم بعضاً، فإصدار الأحكام القاسية الشديدة التي في غير محلها إنما هو من شأن أهل البدع، والتخطئة والنصح سراً وعلناً هو سبيل ونهج أهل السنة والجماعة.
ولذلك قال ابن تيمية عليه رحمة الله: أهل السنة أرحم بأهل البدع من بعضهم ببعض؛ لأن أهل السنة يتحرجون جداً من إطلاق ألفاظ التكفير إلا إذا اقتضى الأمر ذلك، وأما أهل البدع فإنهم يبادرون ويسارعون بتكفير بعضهم بعضاً، وبلعن وسب بعضهم بعضاً.
قال: وجهل بعضهم بعضاً، فافترقت الزنادقة على إحدى عشرة فرقة، وكان منها المعطلة، ومنها المنانية، وإنما سموا المنانية برجل كان يقال له: ماني، كان يدعو إلى الاثنين -أي: إله الظلمة وإله النور- فزعموا أنه نبيهم في زمن الأكاسرة، فقتله بعضهم.
ومنهم المزدكية؛ لأن رجلاً ظهر في زمن الأكاسرة يقال له: مزدك.
ومنهم العبدكية، وإنما سموا العبدكية؛ لأن عبدك هو الذي أحدث لهم هذا الرأي، ودعاهم إليه.
ومنهم الروحانية، وسموا الفكرية.
ومنهم الجهمية، وهم صنف من المعطلة، وهم أصناف -يعني: المعطلة أصناف- وإنما سموا الجهمية لأن جهم بن صفوان كان أول من اشتق هذا الكلام من كلام السمنية، وهم صنف من العجم كانوا بناحية خراسان، وكانوا قد شككوه في دينه وفي ربه حتى ترك الصلاة أربعين يوماً لا يصلي، فقال: لا أصلي لمن لا أعرف، ثم اشتق هذا الكلام.
ومنهم السبئية، وهم صنف من العجم يكونون بناحية خراسان، وذكر فرقاً أخر بصفات مقالاتهم.
ومنهم الحرورية، وافترقوا على ثماني عشرة فرقة، وإنما سموا الحرورية لأنهم خرجوا بحروراء أول ما خرجوا.
وصنف منهم يقال لهم: الأزارقة، وإنما سموا الأزارقة بـ نافع بن الأزرق، ومنهم النجدية، وإنما سموا النجدية بـ نجدة، ومنهم الأباضية، وإنما سموا الأباضية بـ عبد الله بن إباض، ومنهم الصفرية، وإنما سموا الصفرية بـ عبيدة الأصفر، ومنهم الشمراخية وإنما سموا الشمراخية بـ أبي شمراخ رأسهم، ومنهم السرية، وذكر منهم، ومنهم ومنهم، حتى عد اثنتين وسبعين فرقة.