[إجماع المسلمين على أن المؤذن إذا قال كلمة التوحيد فقد أتى بالتوحيد وأقر بالنبوة]
قال: [وأجمع المسلمون: أن المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله؛ فإنه قد أتى بالتوحيد].
أي: أقر بتوحيد الله عز وجل، وأنه قد دعا الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته العلى.
قال: [وأقر بالنبوة]؛ لأنه شهد أن محمداً رسول الله، ولذا فلا يتصور أن واحداً يقول: إن من قال: أشهد أن محمداً رسول الله؛ إنه قد دعا الاسم دون المسمى! كما أن واحداً لو ناداك وقال: قبحك الله يا زيد! وأنت اسمك زيد، فأردت أن تعاتبه فقال لك: أنا ما أردت تقبيح ذاتك، وإنما قبحت الاسم، ولا علاقة لك به، فهل يتصور ويعقل ذلك؟! إن هذا الكلام كله خلط ولا قيمة له، بل حتى في لسان العرب لا تجد مثل هذا الكلام؛ لأن الاسم عين المسمى.
ثم قال: [فإنه قد أتى بالتوحيد، وأقر بالنبوة إلا المعتزلة، فإنه يلزمهم أن يقولوا: أشهد أن الذي اسمه (الله) لا إله إلا هو، وأشهد أن الذي اسمه (محمد) هو رسول الله].
ولا يتصور أن يقبل هذا جاهل ولا عالم، فإذا قلنا له: لماذا قلت هذا؟ قال: لأنني اعتقد أن الاسم غير المسمى، وإذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، فأنا الآن أنادي الاسم دون المسمى، وإذا قلت: أشهد أن محمداً رسول الله، فإنني أشهد للاسم بالنبوة والرسالة دون المسمى! وهذا الكلام غير صحيح، وقد أجمع أهل السنة والجماعة على خلاف ذلك.
ولذلك قال المصنف: [وهذا خلاف ما وردت به الشريعة، وخلاف ما عليه المسلمون، وكذلك هذه الأيمان التي بالله تبارك وتعالى كلها عندهم يجب أن تكون مخلوقة].
أي: لو أنك قلت: والله والبارئ والخالق والمصور وغيرها من أسمائه تبارك وتعالى، فكلها أيمان باطلة؛ لأنهم يقولون: إنك قد ناديت المخلوق، وهم بهذا -أي: المعتزلة- يريدون أن يسحبوا ما قالوه في كلام الله عز وجل على بقية أسماء الله وصفاته، وبالتالي يجرون جميع الأحكام التي قالوها في القرآن على بقية أسماء الله وصفاته، فيقولون: لا يجوز الحلف بالله، ولا بأسمائه، ولا صفاته؛ لأنها مخلوقة، وإذا حلفت بالله أو بأسمائه أو بصفاته؛ فإنما تحلف بالمخلوق، وبالتالي تكون مشركاً.
فتأمل إلى زعزعة الثوابت في قلوب المسلمين، فهي ليست وليدة اليوم، نعم ظهر الآن في المسلمين بغال وحمير يشككون في الثوابت والأصول كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك، لكن زعزعة هذه الأصول على ألسنة هؤلاء الحمير والبغال لها أصول قديمة جداً، فتجد أنه ينعق بها اتباع كل ناعق، واتباع الحمير والبغال في الشرق والغرب؛ ليزعزعوا التوحيد في قلوب أهل السنة والجماعة.
وأنا متأكد أنه لو سألك سائل في الشارع: هل الاسم هو المسمى أم لا؟ فإنك ستقول له: ما هذا؟ من أين أتيت بهذا الكلام؟ ما هو الاسم؟ وما هو المسمى؟ فسيقول لك: الاسم ليس هو المسمى؛ لأن أسماء الله مخلوقة، فيلبس عليك دينك، وتعود إلى بيتك بغير عقيدة أهل الإيمان وأهل التوحيد؛ لأنك بعدت كل البعد عن العلم، وعن طلب العلم، ثم إن هذه المسائل قد استعجمت على كثير من أهل العلم في السابق، فلم لا تعجم عليك يا عبد الله؟! ثم اعلم أن أصحاب البدع متخصصون في بدعهم، فقد علموا عنها كل كبيرة وكل صغيرة، وأحاطوا بها علماً، بل قد صنفوا وألفوا فيها الشبهات التي إذا ألقوها على جهلة المسلمين لتحيروا وتاهوا وضلوا، والعلم حابس لصاحبه ولأهله، فبالعلم تعصم من الضلال وتعصم من الغواية، وأما بغير العلم فإنه إذا ألقيت عليك شبهة تشربها القلب.
وأنا أنبه على أن العلم واجب على كل مسلم ومسلمة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم واجب على كل مسلم)، ويدخل فيه تبعاً النساء، وهذا هو العلم الضروري الذي لا يمكن للمرء أن يستغني عنه، وإذا لقي الله تبارك وتعالى بغيره فقد لقيه بتقصير شديد، والله تعالى يؤثمه في الدنيا، ويحاسبه على هذا التقصير يوم القيامة.
وإن من ألزم العلوم وأفرضها: علم العقيدة؛ لأنه يتعلق بذات الإله تبارك وتعالى، ولا يسعك أن تجهل إلهك ومعبودك، ولا يتصور أنك تعبد إلهاً وأنت لا تعرفه، وتتقي إلهاً وأنت لا تدري ما تتقيه؟ ومن تتقي؟ وبماذا تتقي؟ ولذلك من الخبط والعشواء أن تعبد إلهاً لست عارفاً به، وأن تتقي إلهاً وأنت لا تدري من هذا الذي تتقيه؟ وما الذي في قدرته وإمكانه؟ وكيف تتقيه؟ وبماذا تتقيه؟ فالاسم عند أهل السنة هو المسمى، وعند غير أهل السنة والجماعة الاسم غير المسمى، وبالتالي فإن أسماء الله تعالى مخلوقة.