قال تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨]، أي: فان.
وقوله:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن:٢٦] أي: هالك إلا وجهه، وهي توازي قوله تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:٢٧] والمعنى: كل شيء فان وزائل، إلا وجه الله عز وجل فإنه باق، ولهذا قال:{لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:٨٨]، أي: فهو الحكم الباقي الذي يرجع إليه الناس ليحكم بينهم.
وقيل في معنى الآية:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨] أي: إلا ما أريد به وجهه.
وهذا تأويل ثان، والتأويل الأول: أن يراد بالوجه الذات العارية عن الصفات.
وهذا التأويل قد رددناه بقوله تعالى:(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو)، ولم يقل: ذي؛ لأن الجلال والإكرام هنا صفة للوجه، بخلاف قوله تبارك وتعالى:((تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ))، فذي الجلال صفة للرب تبارك وتعالى.
وأما التأويل الثاني لقوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨] أي: إلا ما أريد به وجهه تبارك وتعالى، فيكون هذا الهلاك على الأفعال، أي: أفعال العباد، فكل من فعل فعلاً لا يبتغي به وجه الله فهو هالك، أي: يصبح هباء منثوراً.
وهناك أحاديث أخرى كثيرة جداً في الأمر بلزوم النية الصالحة في العمل والإخلاص لله عز وجل، وهي تبين أن من عمل عملاً على غير هذا النحو فإنه يكون هباء منثوراً، بل صاحبه في النار، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:(من تعلم العلم ليتصدر به المجالس، أو يماري به السفهاء، أو يجادل به العلماء فالنار النار)، مع أنه تعلم العلم، ولكنه لم يتعلمه لوجه الله عز وجل، ولم يخلص فيه لله عز وجل، وإنما تعلمه بنية سيئة فاسدة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(إنما الأعمال بالنيات).
فالنية يترتب عليها الجزاء والعقاب، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
فقولهم في تأويل قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨] بأنه: إلا ما أريد به وجهه هذا كلام فاسد جداً؛ لأنه يلزم منه نفي الصفة؛ لأن الهلاك سيكون مترتباً على الفعل نفسه، وهم قالوا: إن سياق الآية يدل على ذلك، فقوله:{وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨] كأنه يقول: لا تدع مع الله إلهاً آخر فتشرك به؛ لأن عملك وإشراكك هالك، أي: ضائع سدى، إلا ما أخلصته لوجه الله، فإنه يبقى، لأن العمل الصالح له ثواب باق لا يفنى في جنات النعيم.